وجهة نظر
"الطراطسة".. عن المصائب التي تعكسها هذه الكلمة
خاص-محمود عبد اللطيف
أثارت مادة صحفية نشرتها جريدة #تشرين الحكومية، حول الاستجرار غير الشرعي للتيار الكهربائي في محافظة طرطوس، غضب مرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك لأن العنوان حمل مفردة "الطراطسة"، بـ "أل التعريف"، ملحقة بكلمة "يسرقون"، ما اعتبره البعض تعميم جرم #السرقة على كل سكان محافظة طرطوس، المعروفة بمحافظة "الشهداء" والأمر على المستوى اللغوي يعد من الأخطاء القاتلة صحفيا، فلو كانت المادة معنونة بدون "أل التعريف"، لأصبح المعنى جزئي، إلا أن بعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي راحت باتجاه "التهويل"، من الحدث معتبرة أن التركيز على الاستجرار غير الشرعي للكهرباء في محافظة طرطوس دون غيرها، يستهدف سمعة #المحافظة وسكانها، والذهاب نحو الاستمثار في "الحوادث الفيسبوكية"، بات مسألة معتادة بالنسبة للشارع السوري.
لا يمكن أن يكون اعتذار جريدة تشرين عن الخطأ، وتحميلها المسؤولية لقسم الإخراج الصحفي فيها، مخرجاً للمشكلة، فرئاسة #التحرير في مثل هذا الحدث مطالبة بموقف أكثر جدية من التلاعب بالمادة المكتوبة من قبل الزميلة "ثناء عليان"، التي أكدت في اتصال هاتفي لـ "جريدتنا"، إنها لا تجرؤ على وضع مثل هذا العنوان لمادة صحفية، وبالتالي فإن الخطاً كان ناتج عن محاولة مسؤول الصفحة، أو من هو أعلى منه شأنا في الجريدة كـ "مدير التحرير - رئيس التحرير"، في ابتكار عنوان للمادة المكتوبة من قبل الزميلة، على أساس إنهم الأقدر والأكثر كفاءة من الزميلة كاتبة المادة، و #المضحك في الأمر هو إن الكثير من مدراء التحرير في وسائل الإعلام الحكومية، يأخذ دوراً أبعد من المسؤوليات المرماة على عاتقه على أساس أنه "أبو العريف"، الذي "ختم الكار"، وصار "معلم"، وكأن مهنة الصحافة هي مثل أي مهنة يدوية أخرى، ما يجعل من الوقوف على آلية عمل الصحف الرسمية في #سوريا ضرورة من قبل وزارة الإعلام لتتحول إلى صحف مقروءة بشكل حقيقي، بما يحول المواطن من شراء هذه الصحف لـ "مسح الزجاج"، إلى قراءتها بشكل فاعل، فالملوس من جملة التعليقات التي رافقت المادة المذكورة، إن محتوى الصحف الرسمية لم يعد موثوقا، علما إن الكثير من المواد المكتوبة في هذه #الصحف تحمل في محتواها قيمة معلوماتية هامة.
جريدة تشرين ذهبت نحو #الاعتذار من "قراءها"، عبر منشور أتعبت نفسها في صياغته لتحمل الإخراج الصحفي فيها المسؤولية، وإن كان الاعتذار ناتج عن اعتراف بالذنب وبالتالي فهو فضيلة، فإن الفضيلة الأجمل هي أن تلتزم الصحف الرسمية بمعايير العمل #الصحفي وآلياته وتسلسله، وعدم تفويض مسؤولي الصفحات ومدراء التحرير لأنفسهم بأخذ دور "المعلم"، على الزملاء العاملين في هذه الصحف، وتقتضي الأمانة الإشارة إلى أن وزارة الإعلام وفي المرحلة اﻷخيرة لا تخجل من دفع الوسائل الحكومية نحو الاعتذار إذا ما وقع الخطأ.
ولو وقفنا على مادة الزميلة "#ثناء_العليان"، التي حولها أحد المسؤولين في الصحفية إلى قضية رأي عام، دون قصده طبعا، لوجدنا أرقام مرعبة عن الاستجرار غير المشروع للتيار الكهربائي، وإذا ما فرضنا جدلاً إن الرقم المذكور عن الاستجرار هو معدل وسطي حول كمية #الطاقة_الكهربائية التي تستجر دون دفع بدل نقدي عن هذه الخدمة، لوجدنا إن وزارة الكهرباء تخسر مليارات الليرات كل شهر، وهذا يعني أحد أمرين، إما أن الأرقام مبالغ فيها عن عمد من قبل مصدر المعلومات الذي زود الزميلة "عليان"، بالأرقام بهدف الهروب بمؤسسات الكهرباء في طرطوس خصوصا، و #سوريا عموما، نحو الأمام من مطالبة المواطن بتحسين واقع الكهرباء وتقليل التقنين، وبالتالي تبرير خسارة وزارة الكهرباء لجزء كبير من مواردها، أو إنها أرقام حقيقية بالتالي ثمة عدد من النقاط التي يجب أن تبحث فيها الحكومة، ومنها السبب الذي يدفع المواطن نحو البحث عن طرق غير شرعية للتقليل من حجم ما ينفقه للحصول على الخدمات الأساسية كـ "الكهرباء - الماء"، وعلى ذلك ما الذي يمكن أن تقدمه الحكومة للمواطن لتعزز قدرته الاقتصادية بما يمنعه من الذهاب نحو خطوات غير شرعية مثل استجرار الكهرباء..؟
ثم إن التقصير بات واضحا وباعتراف مصدر #المعلومات بان وزارة الكهرباء والجهات المختصة بملاحقة مخالفات الاستجرار غير الشرعي لا تعمل بشكل صحيح في ضبط هذه الحالة، وهذا يعني أحد احتمالين، إما أهمال متعمد أو غير متعمد في ملاحقة هذه الحالة، أو إن الدوريات التي تقوم بالتفتيش لا تقوم بتسجيل المخالفات مقابل "الكشكشة"، التي يحصلون عليها من المخالف، وبطبيعة الحال، فإن المواطن في وضعه الاقتصادي الحالي، سيدفع بضع آلاف مقابل حصوله على الطاقة الكهربائية مجانا، وبالتالي سيدخل التوفير على المحروقات أيضا، إذ سيتم الاستعاضة بالتيار الكهربائي كبديل عن مازوت التدفئة و #الغاز المنزلي.
ثمة مشكلة حقيقية في ثقافة المواطنة في الشارع السوري، إذ إن الهوة بين الواجب الفردي الذي يطلب من المواطن، ومطالبته بحقوقه، كما إن الشارع السوري يستهون اجتياز القانون والذهاب نحو المخالفة طالما إنه يستطيع الإفلات من العقوبة مقابل رشوة موظف هنا او هناك، أو إنه سيستهين بالعقوبة إن كانت تقتصر على "المخالفة المالية البسيطة"، وهذا يستدعي تحرك من قادة الرأي العام في سوريا من وسائل الإعلام والمفكرين المستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي للترويج لأفكارهم الكبرى، أن يعيدوا النظر بالأولوليات التيي يحتاجها المجتمع السوري لإعادة بناء المنظومة الاخلاقية التي يبدو إنها في آخر سلم أولوليات قادة الرأي المنشغلين في حروبهم في فرض القضايا الكبرى على بعضهم، علما إن هذه القضايا ستكون نتيجة لأمر واقع إذا ما تم إعادة هيكلة القواعد الأخلاقية وتحويل "ثقافة المواطنة"، من نصوص تنشر بين الحين والآخر إلى واقع معاش في سوريا
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: