الحكومة تنعش الفساد
في بلادنا ثمة قوننة للفساد بدرجات صغيرة، فعلى سبيل المثال لم يكن منطقياً أن يكون ثمة فارق بتسعير ربطة الخبز المغلفة عن غيرها يصل حد ربع القيمة.
وفقا للقرار الجديد فإن الربطة المغلفة بـ 100 ليرة، بينما الربطة غير المغلفة بـ 75 ليرة، ومع معرفة أن أكياس البلاستيك الخاصة بالخبز تباع لدى المحال التجارية المختصة ببيع هذا النوع من البضائع، فلن يكون غريباً أن يتم استغلال الفارق بالتسعيرة من قبل بعض العاملين في الأفران، فما هي الآلية الضامنة لمصدر القرار بألا يقوم عامل الفرن ببيع الخبز مغلفا بأكياس يشتريها من السوق ثم يبلغ إدارته أنه باع الخبز غير مغلف.
فإن كان الفرن ينتج 2000 ربطة يومياً، فإن العامل يمتلك هامشا للتلاعب بنحو 50 ألف ليرة سورية دون إمكانية مسائلته قانونياً، فالأكياس التي استلمها الفرن من المؤسسة العامة للمخابز ستكون موجودة وغير ناقصة فعلى أي أساس ستتم محاسبته؟.
وفي قرار منح استثناء لمن لا يملك القدرة على تصريف 100 دولار أمريكي بسعر المصرف المركزي عند رغبته بالدخول إلى البلاد عبر المنافذ الشرعية، دون تحديد المعايير الموجبة لهذا الاستثناء، خلق هامش للفساد يمكن استغلاله من قبل الموظفين المختصين بتطبيق القرار عند البوابات الحدودية.
فعلى سبيل المثال لو أن شخصاً غنياً أو فقيراً عاد من لبنان وخيّرته بين أن يقوم بتصريف 100 دولار أمريكي ليخسر نصف قيمتها في السوق السوداء والتي تبلغ 230 ألف ليرة، على أن يخسر مبلغ 25 ألف أو 50 ألف يدفعها كرشوى للموظف المختص ليحظى باستثناء عدم القدرة، فإنه سيختار حتماً أن يكون راشياً ولا يخسر 115 ألف، فـ«خسارة عن خسارة بتفرق».
يمكن القياس على المثالين السابقين في العديد من القضايا التي يعيشها المواطن الذي بات يفكر طيلة الوقت بالطرق الأنسب للحياة في ظل فوضى الأسعار، وسعار التجار الراغبين بتكديس أكبر قدر ممكن من الأموال في حساباتهم البنكية بالاستفادة من هوامش الفساد الإداري وفساد المنظومة المجتمعية التي باتت تعاني من كم هائل من القضايا التي يمكن وصفها بـ "القضايا العضال"، التي لا يمكن حلحلتها حالياً.
في سوريا وحدها يكون قرار رفع العقوبة على أي مخالفة مرورية أو تموينية أو مخالفة بناء أو نظافة، سبباً لرفع قيمة الرشوة التي سيتقاضها الموظف الذي يمارس عمله الرقابي بعيداً عن الرقابة من قبل الأجهزة المختصة.
فلو أصبحت مخالفة رفع سعر مادة ما بقيمة 500 ألف ليرة، ستكون قيمة الرشوة بحدود 50 ألف ليرة، ولو أصبحت قيمة المخالفة الضعف فإن الرشوة ستصبح الضعف، وهذا التناسب الطردي لا يمكن ضبطه حالياً، ويعد من سابع المستحيلات، فما الضامن للجهات التي عينت المراقب ألا يقوم باستغلال وظيفته بالحصول على رشوة من المخالف..؟، والمصيبة أن الثقافة الجمعية باتت تفكر بالطرق القانونية لخرق القانون، وعليه فإن مشاكل الفساد تبدأ من المواطن وتنتهي بمصائب تحط على رأسه تباعاً.
فرضت الحرب نفسها على المنظومة الأخلاقية، فانتشار الفقر بين الشريحة الأوسع من السكان في سوريا سيعني بالضرورة خللاً أخلاقياً في المجتمع لا يمكن معالجته إلا بمعالجة أسباب الفقر أو بوضع آليات تنفيذية دقيقة للقرارات، مع الإشارة إلى ضرورة دراسة أي قرار قبل صدوره بما يمنع وجود هوامش يمكن للفاسدين استغلالها لمصالحهم الشخصية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: