Sunday November 24, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

البيان الرسمي السوري يكذب بوتين

البيان الرسمي السوري يكذب بوتين

فارس الجيرودي

تنقسم القاعدة الشعبية المؤيدة للدولة السورية اليوم بين فريق يحاول تبرير خطوة بوتين الأخيرة المتمثلة في نقل رفات الجندي الإسرائيلي من وراء ظهر القيادة السورية، وتسليمها كهدية انتخابية لرئيس حكومة العدو الصهيوني، وبين فريقٍ يتخذ الموقف النقيض الذي يصل في إدانته هذه الخطوة إلى حد تصنيفها خيانةً كبرى لسوريا، ودليل تسليم القيادة الروسية حليفها السوري لإسرائيل-بين هذا وذاك-  علينا حتى نتخذ الموقف السليم المتوازن، أن نحوز الوعى العلمى لفهم طبيعة الصراع، ومن ثم فهم طبيعة التحالف الذي يجمع سوريا بروسيا، والقائم على مجال واسع من تقاطع مصالح الطرفين، في مقابل هامش أضيق من المصالح المتناقضة، عندها سنتعلم أين يمكننا الرفض عندما تتعارض المصالح، دون أن يؤثر ذلك على التحالف الاستراتيجي الذي يتربص به خصوم الطرفين.

ففيما تحاول الآلة الإعلامية الخليجية استثمار حدث تسليم رفات الجندي الصهيوني، لإثبات نظريتها عن العلاقة «العضوية-الوجودية» التي تجمع روسيا باسرائيل، وبالتالي البرهنة على رضا تل أبيب عما قامت به روسيا من دعم للدولة الوطنية السورية، يتناسى الخطاب الإعلامي الخليجي، وخطاب المعارضة السورية التابع له، افتراءاته التي لطالما رددها لتضليل الشعوب العربية، بخصوص ما يسمونه النظام السوري الذي «لم يطلق طلقة واحدة على إسرائيل»، فيما رفات الجندي الصهيوني، تذكرنا بأهم معركة دبابات خلال كل تاريخ الصراع العربي-الإسرائيلي، معركة "السلطان يعقوب" التي أنهت عملياً حلم "إسرائيل الكبرى"، بعد أن تمكن الجيش السوري في 6/10/1982 ورغم السيطرة الجوية الإسرائيلية، وبواسطة دبابات تي-72 التي صنعتها أيدٍ روسية، من إلحاق خسائر كبيرة بأرتال الجيش الذي كان يقوده "شارون"، بعد أن خطط يومها للسيطرة على طريق بيروت-دمشق، تمهيداً للالتفاف على جبهة الجولان وتهديد دمشق نفسها، إن تلك المعركة وفي بعض وجوهها هي أحد ثمار التحالف التاريخي الذي يجمع دمشق بموسكو.

الأهم في ذكرى "السلطان يعقوب" أن هذه الملحمة الكبرى التي تواجه فيها الجيش الصهيوني مع الجيش الذي يقوده "حافظ الأسد" جرت في أجواء مشابهة لظروف اليوم، حين تخلت الدول العربية كلها -عدا سوريا- عن واجبها تجاه الصراع مع إسرائيل، بل قام بعضها بدعم وتسليح خلايا "الإخوان المسلمين" التي طعنت ظهر الجيش السوري من الخلف، في عز مجابهته للعدو الصهيوني في لبنان، وفي ظل ما بعد خروج مصر أكبر بلد عربي من الصراع العربي-الإسرائيلي.     

كما شكلت المعركة المنعرج التاريخي التي فصل بين مرحلة الصعود الإسرائيلي الذي بلغ ذروته مع "كامب ديفيد"، وبين مرحلة توالي الهزائم العسكرية التي مني بها الجيش الصهيوني في مرحلة ما بعد ملحمة "السلطان يعقوب"، على يد فصائل المقاومة اللبنانية المدعومة من دمشق، حينها كانت موسكو حاضرةً أيضاً لتعويض الخسائر العسكرية السورية خلال حرب 1982، بسلاح أحدث وأفعل، وكان أبرز ذلك منظومة "الإس-200" الدفاعية التي أسقطت سوريا بواسطتها طائرات إسرائيلية وأمريكية فوق لبنان في حقبة الثمانينات.

ولأن الحقائق الاستراتيجية لا تتغير بسهولة، فإن دمشق وموسكو ومعهما طهران وحزب الله، شركاء استراتيجيون اليوم في معركة إضعاف الهيمنة الأمريكية على العالم، من خلال ضرب هيمنتها في المنطقة الأهم «الشرق الأوسط»، وعلى المتبنين لسردية العلاقة الاستراتيجية التي تجمع تل أبيب بموسكو، والزاعمين بأن روسيا لا تقبل بكل ما يهدد أمن إسرائيل، عليهم أن يفسروا إقدام روسيا قبل أشهر على تزويد سوريا بواحدة من أحدث الدفاعات الجوية في العالم "الإس-300"، وهو النظام الذي يثير نصب بطارياته في فنزويلا اليوم ذعراً أميركياً، وصل إلى حد تصريح مستشار الأمن القومي الامريكي "جون بولتون" بأن الدخول الروسي إلى نصف الكرة الغربية «خط أحمر» لا يمكن أن تقبل به واشنطن.

نعم لقد أخطأ بوتين، وهو على الأرجح قدّر أن تسليم نتنياهو بقايا جثة متحللة، لن يؤثر على موازين القوى، خصوصاً أنه بالمقابل سيحصل على صوت في الانتخابات الإسرائيلية، وربما أمِل لقاء ما قدمه لنتنياهو بالحصول على إيقاف الغارات الصهيونية على سوريا، والتي تهدد بالانزلاق لحربٍ كبيرة، وبتخريب إنجاز الاستقرارالذي حققته روسيا على الأرض السوري.

 لكن بوتين تناسى بالمقابل الآثار المعنوية والرمزية الكبيرة لخطوته، التي حاول تجميلها من خلال تصريحه بأن ما حدث تم بالتعاون«مع شركائنا السوريين»، ليأتي بيان وزارة الإعلام السورية صارماً ومكذباً لرواية بوتين، وموضحاً بأن الروس حصلوا على مكان الجثة من خلال معلومات زودهم بها الموساد الإسرائيلي من خلال الجماعات المسلحة المتصلة به، والتي قامت بنبش مقابر "الجبهة الشعبية القيادة العامة" بحثا عن جثث الجنود الصهاينة خلال فترة احتلالها لمخيم اليرموك، لكنها فشلت بنقل الجثة، ليتولى الجانب الروسي ذلك، ويمكننا أن نعتبر البيان السوري الرسمي الذي كذب رواية بوتين، رسالة امتعاض واعتراض سورية واضحة لا تحتاج لكثير  من التفسير، وربما ستكون تمهيداً لرسم خطوط حمرٍ للدور الروسي في سوريا.

 بالمقابل ينصّب رهان سوريا وحلفائها في محور المقاومة، على التناقض الاستراتيجي بين مصالح روسيا و إسرائيل «التي لا تعدو كونها مجرد أداة للهيمنة الأمريكية في منطقتنا» ، فمحاولات بوتين لتفادي انفجار هذا التناقض او تأجيله لن تفلح في نهاية المطاف. 

المصدر: خاص

شارك المقال: