Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

زيارتا بولتون وبومبيو.. محاولةٌ لاحتواء الانهيار

زيارتا بولتون وبومبيو.. محاولةٌ لاحتواء الانهيار

فارس الجيرودي

أحدث قرار الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الخاص بسحب القوات العسكرية الأمريكية من سوريا، ما يشبه زلزالاً في معسكر حلفاء واشنطن في المنطقة، فسارع الأكراد إلى محادثاتٍ مع الحكومة السورية تهدف لتسليم مناطقهم للجيش السوريالشرعي، في محاولة لاستباق هجومٍ توعد به أدروغان شرق الفرات، فيما سلموا فعلاً مواقعهم العسكرية في محيط مدينة منبج للقوات السورية، على التوازي كثف الأتراك من اتصالاتهم مع موسكو بهدف الحصول على موافقة روسية على عملية في شرق الفرات، وهو ما قوبل برفض روسي وتذكير بالالتزامات التي فشلت تركيا في الإيفاء بها فيما يخص ملف تصفية إرهابيي القاعدة في آخر معاقلهم في محافظة ادلب، لترد تركيا على لسان وزير خارجيتها "تشاوويش أوغلو" الذي أعلن في مقابلة مع قناة NTV التركية عن رفع الفيتو التركي على عملية عسكرية في إدلب ضد الجماعات المتشددة، على أن تكون تركيا طرفاً فيها إلى جانب أطراف أخرى «ليس روسيا فقط» حسب تعبير الوزير التركي، ما يفهم منه عرضاً تركياً بالتشارك مع موسكو وحكومة دمشق في عمليةٍ لاجتثاث إرهابيي النصرة من ادلب وريفها، تشبه الحملة التي تعرضت لها "داعش" خلال السنتين الماضيتين وأدت للقضاء على إمارتها.

أما محور الإمارات البحرين السعودية، فقد اختار طريق إعادة السفارات إلى دمشق، ورفع الفيتو السعودي عن تجميد عضوية سوريا في الجامعة العربية، كطريقة إخراجٍ ملائمةٍ تكفل النزول عن شجرة التصعيد مع حفظ ماء الوجه.

تسابق حلفاء واشنطن في المنطقة على إبرام التسويات مع خصومها موسكو وطهران ودمشق،  تسبب بزيادة امتعاض النخب السياسية والإعلامية في واشنطن، وهي النخب الغاضبة أصلاً من قرارات ترامب الهادفة لتقليص الوجود العسكري الأمريكي حول العالم، ما يعتبرونه تخريباً للنظام العالمي الذي بنته الولايات المتحدة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة، فتصاعدت حملة إعلامية في الداخل الأمريكي تتهم ترامب بتهديم ثقة حلفاء أمريكا بها حول العالم.

 لكن منتقدي ترامب عانوا من تدني شعبية التدخلات العسكرية التي بدأها جورج بوش الابن منذ 2001، فقد تسبب التورط العسكري الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان خصوصاً بكوارث اقتصادية، أدت إلى انخفاض دخل المواطن الأمريكي، وارتفاع الدين الحكومي الأمريكي إلى معدلات قياسية، بالتالي فضل منتقدو ترامب إبداء اعتراضهم على طريقة إخراج قرار الانسحاب من سوريا، فترامب خرج بقراره من خلال تغريدة على موقع "توتير"، ودون تنسيق مع الحلفاء أو حتى إخبارهم، بما في ذلك الحلفاء الأوربيين الكبار، إذ ظهر من خلال ردات فعل المسؤولين الأوروبيين أنهم لم يكونوا على علم مسبق بقرار ترامب.

من جهته يعاني ترامب وبسبب المعارضة الشرسة من النخب السياسية الأمريكية، من صعوبةٍ في المضي بسياساته التي وعد بها ناخبيه، سواء لجهة الانسحاب من التزامات أمريكا العسكرية في أوروبا وشرق آسيا والشرق الأوسط، أو لجهة زيادة الحماية الجمركية على المنتجات الأمريكية، ما يعني التخلي عن أهم أسس نظام العولمة الاقتصادية، الذي عملت على ترسيخه الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وقد حاول ترامب التخفيف من شراسة اعتراض النخب الأمريكية على سياساته من خلال الاستعانة بمستشارين سبق أن عملوا في إدارات جمهورية سابقة، أهمهم "جون بولتون" مستشار جورج بوش الابن السابق، والذي قلده ترامب منصب مستشاره للأمن القومي.

لذلك قرر ترامب في رد فعل على الحملة الإعلامية التي تنتقد قراره الانسحاب الكامل من سوريا و الجزئي من أفغانستان، إرسال كل ٍ من مستشاره "جون بولتون" ووزير خارجيته "مايك بومبيو" إلى الشرق الأوسط، في محاولة لتخفف آثارالانهيار في معسكر حلفاء الولايات المتحدة.

أطلق كل من المسؤولين الأمريكيين خلال زيارتهما جملةَ تصريحاتٍ تصعيديةٍ، تهدف إلى شد أزر الحلفاء، ففيما اعتبر بومبيو من القاهرة أنه: « يجب على أمريكا و حلفائها الانتقال من مرحلة احتواء إيران إلى مرحلة مواجهتها.. وأن عهد التقاعس الأمريكي انتهى وسنمنع تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة»، حاول بولتون أن يطمئن كلاً من "إسرائيل" و "قسد"، فوضع كشرطٍ لتنفيذ الانسحاب من سوريا  حماية الحلفاء الأكراد، إلى جانب إتمام القضاء على داعش، وهي الذريعة التي تتخذها واشنطن لتموضعها العسكري شرق سوريا، كما حاول بولتون الإيحاء بأن الانسحاب الأمريكي لن يشمل حالياً منطقة "التنف" على مثلث الحدود السورية -العراقية -الأردنية.

 لكن محاولة الاحتواء الأمريكية لانهيار ثقة حلفاء واشنطن بجدية التزاماتها، بدت كمن يعالج مرضاً مستعصٍ بحبة مسكن، فتجربة حلفاء واشنطن في المنطقة خلال 8 سنوات من الصراع في سوريا، أثبتت لهم أن التصعيد الأمريكي لم يتجاوز حدود الحملات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية، وفي أقصى الحالات تم توجيه ضربتين عسكريتين محدودتين لمواقع القوات السورية لم تؤثرا على ميزان القوى في ميادين القتال، ولم تؤديا إلى إخراج مطار عسكري سوري واحد عن العمل، بل إن واشنطن لم تقدم على عملٍ عسكريٍ واسعٍ في المنطقة منذ عملية غزو العراق 2003، وحتى عندما كانت الجماعات المسلحة المعادية لدمشق تسيطر على أكثر من 50% من الأرض السورية تجنبت الولايات المتحدة الاستجابة لتحريض حلفائها الأتراك والخليجيين والإقدام على تدخلٍ مباشر.

لذلك كان من الطبيعي أن لا تفلح زياراتا بولتون وبومبيو وتصريحاتهما التصعيدية في لجم تسابق الحلفاء على إبرام الصفقات مع الخصوم، فأردوغان رفض استقبال بولتون في سابقةٍ في العلاقات الأمريكية-التركية، فيما تواصلت محادثات "قسد" مع الحكومة السورية. 

   

 

 

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: