يوميات "عبدو" المتأخر دائماً.. وقت بدل ضائع
كريم مهند شمس
باب موصد، يُفتح لثوانٍ ثم يُغلق، وعلى غير عادته وصل "عبدو" في الوقت المناسب، أو ذلك ما ظنّه بدايةً على الأقل.
ومجدداً، ها هي مقابلة عمل أخرى سرق أصحابها من وقته ليسألوه أسئلتهم العبقرية المستوحاة من قشور التنمية البشرية، ويجعلوه يرى "ديكور" الشركة بعد معاناة البحث عن عنوانها وفي أي زقاق تختبأ، ليوظفوا في النهاية - على أية حال - من كانوا يريدون توظيفه منذ البداية.
ليلعن "عبدو" الساعة التي قرر فيها كسر عادته وألا يتأخر على أشخاص يفترض أنهم أصحاب مكان عمل محترم يطلب موظفين جادين بمواصفات قياسية ولقاء رواتب مناسبة، على حدّ تعبير إعلان مُبعثر على صفحات التواصل الاجتماعي.
هذا واعتاد الشاب العشريني التأخر على كل المواعيد الممكنة والمتاحة خلال تلك السنوات القليلة التي قضاها مؤخراً في سوق العمل والجامعة، وحتى المواعيد الشخصية منها، حيث قرر أن يكون عادلاً تماماً بهذا الشأن ويتأخر عن كل شيء بالتساوي حتى لا يكون لإحداها أولوية على غيرها، مُعزياً ذلك لفقدان ثقته بمصداقية أيٍّ من تلك الجهات أو الشخصيات التي عليه الاحتكاك بها لأيّ غرض كان.
ولكن الأمر يعود حقيقةً إلى إهماله النابع عن فقدان الاهتمام الذي صار جزء من شخصيته، وربما بسبب الاحباطات التي أصابته مراراً خلال سنوات عمله ودراسته.
ولم لا، فهو يحيى في بلاد فوضوية إلى أبعد حد، بل إن الفوضى فيها أصبحت أسلوب حياة، فلا قانون عمل ينظّم مسيرته المهنية، وليس هناك من يحميه إذما تعرض لاحتيال القطاع الخاص، ولم يصادف قط موظف حكومي يحترم وقته الضائع في المعاملات الرسمية إلا وفقاً لما منحنا الله من "سكاكر" تُمرر بين الأوراق لجعل الموظف يفعل ما هو واجبه أساساً.
وكما الأمر سيان بالنسبة للجامعة التي لم يمانع بعض مدرسيها من حشو مقرراتهم بكل ما هو مُفرغ من مضمونه، فيما أصر آخرون على وضع العلامات وفقاً لمبدأ "السبحانية" بالتعامل، دونما الحاجة حقاً لقراءة ما كتب الطالب في ورقة الامتحان النظري أو الوظيفة العملية التي لم تشبه قط ما هو عملي بمجال دراسته.
وعلى أية حال فهو أيضاً منذ سنته الأولى يكتب في الامتحانات كل ما يخطر بباله من كلمات مُبعثرة على أن تبدو من الخارج ذات معنى، وذلك انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل، فإن كان مدرس المادة لا يكترث حقاً لما أقوله لماذا يجب أن اهتم أنا لما يقوله هو؟
وعلى ذات الخطى، قرر الشاب أن يتغلب على من يضيعون وقته وشبابه بأن يتولى بنفسه مهمة تضيعه، وذلك بالتأخر والاهمال أحياناً في إنجاز المهمات، فعلى الأقل حينها يعلم أن ما من أحد ليلومه، وأن وقته الضائع هذا قد ضاع بملئ إرادته ولم يتمكن أحد من إرغامه على شيء أو سرق أي شيء منه، ولو كانت بضع ساعات أولى بها أن تنفق على شيء ممتع على الأقل، "برتية شدة" مثلاً.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: