وسائل الإعلام.. "يلي بيسبق بياكل فستق" !
منذ بداية الحرب الدائرة في سوريا، ووسائل الإعلام بكامل صنوفها، تعيش حالة من الصراع على تحقيق "السبق الصحفي"، بهدف بناء جمهورها، ورفع نسبة المتابعة، وقد وصل الأمر في كثير من الأحيان حد "الكباش"، إن صح التعبير بين هذه الوسائل التي يمكن وصف بعضها بـ "الرفيع المستوى"، وقد يكون الأمر صحياً إذا ما بقي ضمن إطار التنافس على الحصول على المعلومة، دون أن يخرج نحو التنافس على نسبة المتابعة وإن كان الأمر من خلال اختلاق الحدث لجذب الجمهور.
وفي مرحلة ما من عمر الحرب، تحول هذه التنافس من الوسائل الإعلامية إلى العاملين في القطاع الإعلامي، وتحولت مسألة البحث عن الشهرة إلى هاجس عند الكثير من الصحفيين، لدرجة إن بعضهم يخاطر بنفسه ليلتقط صورة "سيلفي"، في مكان ما، ليقول لمتابعيه على مواقع التواصل الاجتماعي إنه في مكان الحدث، الأمر الذي أوقع بعضهم في محظورات ميثاق العمل الصحفي وأظهر نفسها مع جثامين ضحايا عمليات "إرهابية" في أكثر من مكان، ولأكثر من صحفي، وأصبحت "النجومية"، هاجساً يحاول الإعلامي أن يصنعه، لا أن ينتظر أن يكسبه بنتيجة العمل الجاد.
وقد وصل الأمر في مرات كثيرة حد تبادل الشتائم بين الصحفيين وتكذيبهم لبعضهم البعض، بنتيجة التنافس في سباق الإعلان عن تحرير منطقة ما، الأمر الذي عكس بعداً عن أخلاق المهنة، وهذا طبيعي نتيجة لعدم وجود رغبة لدى المؤسسات بتدريب الصحفيين على العمل ضمن الضغط، ومعاقبة من يخرق ميثاق "العمل الصحفي"، والظريف في الأمر أن الصحفيين يعتبرون أن النشر على صفحاتهم الشخصية له الأولوية في السبق على الوسيلة التي يعلمون لصالحها، وهنا يكون الصحفي قد دخل في صراع مع مؤسسته على تحقيق "النجومية"، وهذا يستوجب العقوبة من قبل المؤسسة إن كانت تحترم نفسها، إلا أن مثل هذا الأمر لم يحدث، فهل السبب في ذلك يعود لفقدان المؤسسات الإعلامية في سوريا لاحترامها لذاتها..؟
إن أخطر مصداقية نقل الخبر من قبل وسائل الإعلام، هو انتشار الصفحات الإخبارية المدارة من قبل "ناشطين"، أو أشخاص يطلقون على أنفسهم صفة "الإعلامي"، ذلك أن هذه الصفحات وللبحث عن متابعين، تختلق حدثاً، أو شائعة ما لتكسب شيئا من التفاعل الإلكتروني، الأمر الذي أفضى إلى قلة ثقة المواطن بـ "الإعلام السوري"، عموماً، وبرغم ذلك، لم تفكر أي وسيلة إعلامية حكومية أو خاصة، بالخروج من دوامة التنافس على الخبر، لتسأل نفسها ما الذي يريده المواطن السوري..؟
إن البسطاء من الناس تعبوا من متابعة أخبار الحرب وإن كانوا يهتمون بها، ولعل المواطن في قرارة نفسه، يسأل عن السبب الذي لا تفتح به وسائل الإعلام حرباً على الفساد وصنّاعه، لماذا لا تطلق العنان لكاميراتها لتنقل صورة التقصير الحاصل في كامل قطاع الخدمات، لما لا تدخل إلى المشافي مثلاً إلا لمرافقة مسؤول ما لتصوير زيارته الميمونة.
إن اللافت في زيارة أي موقع إلكتروني لأي مؤسسة إعلامية هو زر معنون بـ "من نحن"، إن ضغط عليه المواطن سيجد بياناً تعريفياً من المؤسسة بذاتها، واللازمة في كل البيانات من هذا النوع، هي السعي للقرب من المواطن وهمومه، إلا أن الدخول لسوق العمل، يفضي بقادة الوسائل الإعلامية بالذهاب نحو "سوقية" التنافس مع الآخر.
إن مرحلة تضع الحرب فيها أوزارها، تحتاج لخروج وسائل الإعلام من الصراع الساذج، نحو تنافس عقلاني وعلمي يعتمد على أساس الاحترام المتبادل، واحترام المصدر الأساس للمعلومة، على أن يكون تحقيق النفع للمواطن هو الأساس في العمل، لا أن يكون جذب المواطن قسراً بهدف رفع نسبة المشاهدة وما يتبعها من أرباح مادية هو الهم.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: