Friday November 22, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

«ولاد الضرة..»

«ولاد الضرة..»

ندرك تماما أن الحكومة بحاجة ماسة لزيادة وارداتها دون أن يكون ثمة مدفوعات جديدة، وندرك تماما أن الدعم في المحروقات والخبز والكهرباء والماء والخدمات الصحية في المشافي العامة والتعليم في هذا الوقت يرهق خزينة الدولة، ويعي المواطن أن مضاعفة سعر المحروقات والخبز لن يوازيه مضاعفة الراتب الشهري للموظف، ولن يكون ثمة ما يحدث إلا زيادة في الهوة بين طبقتي المجتمع، فالفقراء سيزيدون فقراً، والأثرياء سيزيدون ثراءاً، أما الطبقة الوسطى فقد محيت منذ أمد.

ما يثير المواطن هو نفي الزيادة في سعر أي مادة قبل صدور القرارات بيوم أو اثنين، حتى إن المواطن بات يعرف أن النفي يعني تمهيدا للزيادة، ولا يفهم المواطن كيف تتوافر المواد بكميات كافية بعد كل أزمة، حتى إنه بات يتهم الوزارات المختصة بتعمد خلق الاختناقات على منافذ البيع بما يجعل المواطن يقبل بأي زيادة ستلحق بالسعر شرط توفرها، فهل باتت الحكومة تمارس الاحتكار الذي يعد من الجرائم في القوانين المعمول بها في البلاد..؟، ثم كيف للمسؤول أن يقنع نفسه بأن رفع أسعار المحروقات التي تعد من المواد الأساسية في إنتاج وشحن أي سلعة، لن تؤثر على سعر السلعة نفسها في الأسواق، وما هي الآليات والضوابط التي يضعها المسؤول ليكون مسؤولاً عن تصريحه بأن الأسعار لن تتأثر، وكيف يمكن أن يضبط سعر أجرة الركوب في سيارات النقل العامة (التكسي)، إذا ما قرر السائقين أن يضعوا التسعيرة التي تضمن لهم هامش ربح بمعدل ٤٠٠% بحجج من قبيل ارتفاع أسعار قطع الغيار وزيت المحركات وما إلى هنالك من حجج بات المواطن يحفظها عن ظهر قلب، ومن يجبر السائقين على الالتزام بـ "العداد"، إذا ما كان العداد قد عدل قبل رفع الأسعار...؟

لا يوجد وزير لم يصرح يوما بأن الفريق الحكومي يعمل على تحسين الحياة المعاشية للمواطن، لكن ما الخطوات المتخذة..؟، هل يعرف الوزراء أن الزيادة التي ستصيب الدخل الشهري بتخفيض الضرائب لا تكفي مصروفا ليومين، وهل يعي السادة الوزراء أن هذا الشتاء سيكون قاس لدرجة أن شراء معطف للوقاية من البرد بات حلما للكثيرين، وهل يدرك السادة المسؤولين أن كل ما في الأسواق تضاعف ثمنه مرتين أو ثلاثة ولم يبقى ما هو رخيص إلا "البني آدم"، فحتى المتسولين انخفض مردودهم لأن المواطن صار يبحث عم يعطيه صدقة، وإذا ما كان دخل المواطن السوري يحظى بآخر مرتبة في تصنيف المردود السنوي للمواطنين حول العالم، فهل يعتقد الوزراء أن بات بمقدور المواطن أن يحيى بـ "راتب واحد"، وهل يعتقد الوزير أن دخلاً شهرياً لا يزيد عن ٧٥ ألف ليرة في أحسن الأحوال يمكن أن يقي المواطن حر السؤال...؟.

إن ضرورة البحث عن موارد للحكومة من خارج جيب المواطن هي مسؤولية أعضاء الفريق الحكومي، وليس من خلال رفع اسعار المواد الأساسية المدعومة أو غير المدعومة، ومن غير المنطقي أن تكون الطبقة الفقيرة في البلاد هي الأكثر تضرراً بمحاولات الحكومة لرفع إيراداتها، حتى وإن كانت نسب الرفع غير محسوسة بالنسبة للمواطن، إذ نتفق مع الفريق الحكومي بأن سعر ١٠٠ ليرة سورية لربطة الخبز لن يكون مؤثراً بشكل كبير على دخل الأسرة، لكن ألم يدرك أعضاء الفريق الحكومي أن لكل قرار زيادة في الأسعار يصدرونه ثمة ارتدادات في أسعار بقية المواد، فالتجار لا يوفرون قراراً إلا ويرفعون أسعار بضائعهم على أساسه، وكأن مالكي شركات الاستيراد سيتأثرون بقرار زيادة سعر ربطة الخبز أو ليتر البنزين، وعلى ذلك لما لم تفكر الحكومة لليوم بأن لاعبا مؤثراً في الأسواق بالشكل الإيجابي من خلال التحول نحو الانتاج للمواد الأساسية بمواصفات يثق بها المواطن، ولماذا لم تفكر الحكومة لليوم بأن تكون هي الجهة المستوردة للمواد الأساسية بدلاً من منح تراخيص استيراد كل مادة لتاجر مختص بها، وهذا الاختصاص ليس مشرعناً إلا من خلال الفساد الذي يمنع المنافسة من قبل تجار آخرين، ليبقى سعر أي مادة مرهون بقرار مستوردها لا الحكومة، والطريف أن الحكومة تقبل بالسعر الجديد كلما قرر المستورد رفعه، وتقوم بإصدار قرار يشرعن له ذلك.

يقول مواطن فقير يجلس على قارعة الطريق: «لو أن الوزراء يحبوا الشعب نتفة صغيرة كان انصلح حالنا، لكن الحكومة تعمل على أساس إنها الخالة زوجة الأب، ونحن أولاد الضرة.. والضرة مرة» كما يقول المثل الشعبي.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: