Wednesday May 8, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

واشنطن تحكم سيطرتها على العالم العربي عبر «الأخوان» و«العسكر»

واشنطن تحكم سيطرتها على العالم العربي عبر «الأخوان» و«العسكر»

فارس الجيرودي

بعد سلسلة الإخفاقات التي مني بها المحور السعودي- الإماراتي في محيطه القريب، مع سقوط الرهان على حصار قطر، وعلى الحرب في اليمن التي لم يعد أحد يشكك في وصولها إلى حائط مسدود، يأمل كل من رجل الإمارات القوي "محمد بن زايد" وحليفه ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في أن يعوضا ما خسراه في منطقة الجزيرة العربية، بمكاسب محتملة في منطقة شمال افريقيا، أتاحتها حالة السيولة التي نتجت عن ما يمكن أن نسميه بالجزء الثاني من المسلسل المأساوي «الربيع العربي»، والذي تمظهر في الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت كلاً من الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" والسوداني"عمر البشير"، إلى جانب  انتقال الفوضى الليبية المستمرة منذ سقوط القذافي إلى مرحلة جديدة مع الحملة العسكرية التي يشنها المشير خليفة حفتر على العاصمة طرابلس المسيطر عليها إلى اليوم من قبل حكومة الوفاق الوطني ذات الهوى الأخواني، والمرتبطة بالمحور «القطري- التركي».

وفيما يراهن المحور «القطري-التركي» المنافس على أوراق قوة تتمثل في سيطرته على الاحتجاجات الشعبية، بفضل ما يتيحه له تفوقه الإعلامي، وعلاقاته بالقوى الإخوانية الأكثر تنظيماً في الشارع العربي، والتي يسمح لها تنظيمها السيطرة على غرف تنسيق المظاهرات، فإن رهانات محور «الإمارات- السعودية» تقوم على ما يسمى بالعسكرة، أي على نفوذ الدولتين في مؤسسات الجيوش العربية، والذي اكتسبته عبر أعطياتها وهباتها المالية لكبار الضباط القادة، وهو ما أتاح لهذا المحور حسم الصراع في مصر لصالحه منذ 30 حزيران 2013.

كما يراهن السعوديون والإماراتيون على عنصر قوةٍ إضافي هو تقاطع مصالحهم مع مصالح القطب الدولي الصاعد "روسيا" التي تعتبر التنظيمات الأخوانية خطراً دولياً يهدد أمنها الداخلي، بسبب وجود 9 جمهوريات بأغلبية مسلمة، من أصل 14 جمهورية من جمهوريات الاتحاد الروسي، حيث سبق للعبث «التركي-القطري» المدعوم أميركياً، أن تسبب عبر أدوات "الإسلام السياسي" بحربين طاحنتين في الشيشان كلفتا روسيا الكثير.

ففي السودان وجدت كل من السعودية والإمارات في الاحتقان الشعبي الذي تسبب فيه رفع أسعار المواد الغذائية أواخر العام الماضي، وما نتج عن ذلك من مظاهرات احتجاجية، فرصةً مواتية للخلاص من نظام "عمر البشير" الذي تقلب بتحلفاته المتناقضة بين كل محاور المنطقة، ففي حين كان حليفاً لكل من «سوريا وإيران» قبل ثورات ما يسمى بالربيع العربي عام 2011، انتقل إلى محور «قطر -تركيا»، ثم أجّر في مرحلة لاحقة 14 ألفاً من جنود الجيش السوداني ليقاتلوا في الصفوف الأمامية في حرب اليمن  بدل الإماراتيين والسعوديين، ليعود ويخفف من حجم المشاركة السودانية في تلك الحرب قبل أن يتداعى نظامه ويسقط.

ويرى خبراء في الشأن السوداني أن الإمارات اليوم هي صاحبة اليد العليا في المؤسسة العسكرية السودانية، وذلك عبر رئيس المجلس العسكري السوداني "عبد الفتاح برهان" قائد القوات البرية، والذي أتاح توليه ملف المشاركة السودانية في اليمن، للإمارات إقامة علاقة معه، وأيضاً عبر الجنرال القوي "محمد حمدان دقلو" الملقب بـ "حميدتي" قائد قوات الدعم السريع، وهي نسخة معدّلة لميليشيات "الجنجويد" التي ارتكبت فظائع في دارفور، حيث شاركت قوات الدعم السريع بفعالية في حرب اليمن، ثم رفض "حميدتي" أوامر البشير استخدام هذه القوات لفض الاعتصام أمام وزارة الدفاع السودانية، وهو الاعتصام الذي أسقطت تداعياته حكم البشير في النهاية، و"حميدتي" معروف بصلاته مع الإمارات.

أما في ليبيا فيبدو أن مخططات "محمد بن سلمان" لإحكام السيطرة على هذا البلد في مواجهة حكومة الوفاق الموالية لمحور «تركيا-قطر»، وقد تعثرت على أبواب طرابلس، خصوصاً مع دخول الدعم الإيطالي لحكومة الوفاق على الخط إلى جانب الدعمين «التركي-القطري»، وفي ظل المأزق الذي تواجهه قوات حفتر، توجه الرجل إلى القاهرة، للقاء عدو حركات الإسلام السياسي الأكبر في منطقة شمال افريقيا، الجنرال "عبد الفتاح السيسي"، الذي يمكن أن يدفعه داعماه المحمدين "بن زايد" و"بن سلمان" لإرسال الجيش المصري إلى مستنقع ليبيا لإنقاذ حظوظ حليفهما حفتر، فهل سيكسر السيسي لأجل عيون داعميه المحظور المصري بعدم إرسال قوات خارج الحدود، وهو المحظور الذي فرضته في الذاكرة المصرية تجربة حرب اليمن المكلفة في الستينات من القرن الماضي؟

الساحة الأخرى التي يسيل لها لعاب المحورين المتنافسين هي الجزائر، وهي الموقع الأخير في منطقة شمال افريقيا الذي بقي خارج مظلة نفوذ الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، ورغم ما تبديه مؤسسات الدولة الجزائرية من مناعة حتى الآن، من خلال إصرار الجيش على الالتزام بالدستور، وعدم تعليقه أوالانقلاب على النظام، كما حدث في النموذج السوداني، ومن قبله المصري منذ 25 يناير 2011، إلا أن مراكز النفوذ التي يمتلكها كل من المحورين التابعين للولايات المتحدة «الإمارات -السعودية» و«قطر-تركيا» سواء داخل مؤسسات النظام أو في الحراك الشعبي، تدفع بالبلاد دفعاً نحو هاوية الفوضى، بعيداً عن مخرج الحوار الوطني، ليبقى المستفيد الوحيد من صراع المحورين هو الولايات المتحدة الأمريكية، التي سترسخ نفوذها في شمال افريقيا أكثر، أياً كان المنتصر، محور «تركيا-قطر» الذي يدعم الثورات الربيعية أو محور «السعودية-الإمارات» الذي يدعم الثورات المضادة عبر العسكر، ما دام كل من المحورين يعمل في النهاية وكيلاً لصالح واشنطن. 

 

 

المصدر: بعد سلسلة الإخفاقات التي مني بها المحور السعودي- الإماراتي في محيطه القريب، مع سقوط الرهان على حصار قطر، وعلى الحرب في اليمن التي لم يعد أحد يشكك في وصولها إلى حائط مسدود، يأمل كل من رجل الإمارات القوي "محمد بن زايد" وحليفه ولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" في أن يعوضا ما خسراه في منطقة الجزيرة العربية، بمكاسب محتملة في منطقة شمال افريقيا، أتاحتها حالة السيولة التي نتجت عن ما يمكن أن نسميه بالجزء الثاني من المسلسل المأساوي «الربيع العربي»، والذي تمظهر في الاحتجاجات الشعبية التي أسقطت كلاً من الرئيس الجزائري "عبد العزيز بوتفليقة" والسوداني"عمر البشير"، إلى جانب انتقال الفوضى الليبية المستمرة منذ سقوط القذافي إلى مرحلة جديدة مع الحملة العسكرية التي يشنها المشير عبد الله حفتر على العاصمة طرابلس المسيطر عليها إلى اليوم من قبل حكومة الوفاق الوطني ذات الهوى الأخواني، والمرتبطة بالمحور «القطري- التركي».

شارك المقال: