Thursday April 25, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

طرطوس..بيوت بحرية آيلة للسقوط منذ 50 عاماً!

طرطوس..بيوت بحرية آيلة للسقوط منذ 50 عاماً!

 نورس علي _طرطوس

ما يقارب عشرة مجالس مدن تعاقبت على حل مشكلة الواجهة البحرية الشرقية دون نتيجة.

يعمد "محمود محمود" إلى شفط مياه الأمطار من بهو منزله على الواجهة الشرقية للكورنيش البحري بواسطة محرك صغير كحل ابتكره من وحي مشكلته، خوفاً من تأثر أساسات المنزل الذي قارب عمره 60 عاماً، وانهياره على رؤوس أبناءه العشرة.

حل رب الأسرة "محمود" بشفط مياه الأمطار المتجمعة في باحة المنزل بواسطة المحرك الصغير، جاء نتيجة الحاجة لحماية أبنائه وأحفاده من خطر انهيار المنزل القديم كما أوضح، بسبب أن مجلس مدينة "طرطوس" لم يسمح له بعد عدة محاولات سابقة بأي عمليات ترميم للبناء الذي يسكنه على الواجهة الشرقية للكورنيش البحري، والآيلة للسقوط، علماً أن قيمة عقاره تفوق 100 مليون ليرة سورية، لا يستطيع التصرف بها أو الحصول عليها لتحسين واقعه المعيشي الصعب.

وبحسب ما صرح به رب الأسرة "محمود" فإنه يناشد المعنيين بمجلس المدينة ووزارة الإدارة المحلية السورية بحل مشكلة الواجهة البحرية المستمرة منذ ما يقارب 50 عاماً.

الحال من بعضه والأحلام كبيرة

حال المعمر "عبد الرحمن حسين" لم يكن أفضل بكونه يقطن ذات التجمع العقاري، لكن ضمن مقسم مساحته 180 متر مربع ورثها عن والده، يشغل منها 45 متر مربع لأسرته، والبقية لإخوته، الذين فارقوا الحياة مع حلمهم بتحسين واقعهم المعيشي بعد حق التصرف بملكهم، فهو يسكن في الجهة القريبة من مجرى "نهر الغمقة" بحسب ما قال في توضيحه، وتابع: «الجميع مشغول بقضية الشارع التنظيمي وعملية التقاص للمقاسم الخمسة المجاور لمقسمنا بمقسم من الناحية الشمالية، متناسين واقعنا السيئ الذي مات أغلب المالكين والشاغلين للعقارات هنا على أمل تحسين واقع حياتهم السكنية. مضيفاً المنازل متهالكة وتتساقط على رؤوسنا يومياً، ويغرقنا أقل تساقط للأمطار، نتيجة عمليتي ردم سابقتين للموقع، قامت بها البلدية لتحسين الكورنيش البحري، فرفعت منسوب الصرف الصحي وأشركته مع الصرف المطري، وأصبح يغرقنا بشكل مباشر عند هطول الأمطار.

ويضيف عبد الرحمن حلمي وأنا في أواخر أيامي حياتي أن تعيش بناتي بكرامة في منزل تربين فيه قبل أن يتقد عقل المهندسين والمخططين للواجهة البحرية بدمج العقارات والمقاسم بكتل عقارية ضخمة، يصل بعضها إلى 2500 متر مربع، علماً أن بعض المقاسم سمح لها البناء على مساحة 600 متر مربع، ولكن هذا القرار أوقف بلحظة وكأنه صدر لغايات شخصية تحققت، مما جعل حلم الحصول على حقي في منزل محترم صعب جداً».

بينما "حسين معلا" أحد المتضررين من الشارع التنظيمي على الواجهة البحرية يغرق يومياً في فصل الشتاء بمياه الأمطار، وينتظر اعتماد الحل الذي أسموه بالتقاص، وهنا قال: «المعاناة مشتركة بين الناس القاطنين في منازلهم على الواجهة البحرية المراد تجميلها كواجهة بحرية تليق ب"طرطوس" فالمشروع معطل نتيجة وجود الشارع التنظيمي الذي تسبب بأذية الناس وهدر حقوقهم، والبلدية لا تقبل التعويض لهم أو السماح باستثمار عقاراتهم بشكل خاص، ومن ناحية أخرى قامت بتكبير الكتل الاستثمارية الخاضعة للتنظيم، فكتلتنا المشغولة من قبل مئات الورثة بحصص سهمية، نتيجة تأخير حوالي 50 عام، تبلغ مساحتها 2456 متر مربع، ولا يمكن التوفيق بينهم، والطامة الكبرى أن البلدية ترغب بإجبارنا على دمج عقاراتنا مع بعضها البعض، مما أوقعنا بمشكلة عويصة غير قابلة للحل.

وهنا كان طلبنا منح المتضررين من الشارع التنظيمي مساكن بديلة وفق إجراءات مبسطة، أو التعويض بما يقابل ويوازي الضرر، بكونها ستحقق من عامل الاستثمار قيم مالية عالية، أو تخفيض مساحة الكتل إلى حوالي 800 متر مربع ليتثنى لنا استثمارها بشكل خاص».

أما "ندوه أحمد عيسى" التي سكنت منزلها على الواجهة الشرقية منذ كانت عروس بعمر 17 عام، فقد أهلكتها الظروف السكنية السيئة من جدران ترشح الماء وسوء الصرف الصحي، وهنا قالت: «كان عمري 17 عام عندما دخلت هذا المنزل، واليوم عمري 65 عام تقريباً، ونحتاج إلى حل للترميم أو تخفيض المساحات للبناء، ليتمكن المستثمر من المغامرة بشراء الحصص والبناء عليها أو التشارك معنا لنحصل على منازل تليق بنا، فنحن الذين حمينا أرض الوطن بهذه الحرب اللعينة، خاسرون.

وأذكر في إحدى السنوات الماضية طافت علينا المياه وخسرنا عفش المنزل بالكامل، وبقينا في منزل أقاربنا لمدة أسبوع، وحتى الآن عند تساقط الأمطار يصيبنا الهم ولا ننام طيلة الليل خوفاً من الفيضان وغرقنا ونحن نيام».

رأي مختص

وفي لقاء مع المهندس "حسان نديم حسن" مدير الشؤون الفنية في "بلدية طرطوس" أكد أن مشكلة الواجهة البحرية قسمين الأول فيه خمسة مقاسم وعرف بالشارع التنظيمي وأُقترح الحل له عملية التقاص وللبلدية ملكية كبيرة فيها، والثاني حوالي ثلاثين مقسم بالقرب من مجرى "نهر الغمقة" وهي ملكيات خاصة.

مجلس المدينة ورؤية حل التقاص

أما المهندس "حسين سليمان" عضو "مجلس مدينة طرطوس" رئيس لجنة الإنشاء والتعمير فقال: «منذ عام 2011 وحتى 2018 هي المرحلة التي عمل فيها المجلس وبعض المتبرعين من المواطنين الغيورين على المصلحة العامة، لحل المشكلة بطرح فكرة "التقاص" للشارع التنظيمي، ووافق الجميع عليه ووقعوا العقود مع البلدية على بياض لهذا الحل، وفي عام 2017 قام مجلس المدينة المؤقت بالانعطاف بهذا الحل إلى القانون 23 للعام 2015 الذي يعتمد على إعادة توزيع الملكيات بعد اقتطاع أملاك البلدية، مما سيتسبب بضياء سنوات طويلة لإتمام هذا الحل، الأهالي أحوج لها، وهذا الانعطاف سدد ضربة قوية لكل الجهود التي بذلت منذ عام 2011 لإقناع الأهالي والمالكين بعملية "التقاص" ونسف الثقة التي تشكلت بينهم وبين المجلس المنتخب على أساس هذا الحل، كما أصاب الأهالي بالإحباط بوجود حل مرضي ومتفق عليه، لذلك ارتأت اللجنة بالبقاء على وعد المجلس المنتخب 2011 بحل "التقاص"».

بينما المهندس "غسان يوسف" أحد المتطوعين والغيورين على حل مشكلة الواجهة البحرية الشرقية وعضو مجلس مدينة سابق قال: «عقدة المشكلة تكمن بخمس مقاسم، بكون المقسم السادس حرر ذاته عبر شراء المقاسم الإفرادية ودمجها، مع التنازل للبلدية عن حصصه في أملاكها كهبة، والحل لها عملية "التقاص" أو بتعبير أبسط المبادلة بين كتل المالكين الخاصة وكتل أملاك لمجلس المدينة».

أما "كاظم محلا" عضو "مجلس مدينة طرطوس" فقال: «في الدستور السوري للعام 2012 أقر الاستملاك وفق الأسعار الرائجة، ولكن عدم قدرة مجلس المدينة حينها بإتمام عميلة الاستملاك خلقت فكرة "التقاص" وأقر بقرار مجلس المدينة رقم 117 للعام 2012 ما بين المالكين للعقارات المكتسحة بالشارع التنظيمي و "مجلس مدينة طرطوس"، وأيده بذلك قرار رئاسة مجلس الوزراء السوري رقم 435/4 للعام 2014 وطلب من جميع الدوائر إتمام جميع إجراءات تنفيذ عملية "التقاص"، ووصل تنفيذها إلى مراحل توقيع العقود مع المواطنين، ولكن التنفيذ تأخر لعامين متتاليين، وبعدها أصدر المجلس قراره الجديد بالاستمرار بعملية "التقاص" بعد الحصول على موافقة واضحة وصريحة من رئاسة مجلس الوزراء».

هامش

الجدير ذكره أن الواجهة الشرقية للكورنيش البحري تمتد من مدينة "طرطوس القديمة" شمالاً وحتى "نهر الغمقة" جنوباً، حيث تم تنظيم هذه الواجهة على مراحل بدأت عام 1946 بجزء منها وعام 1964 بالجزء الآخر، وفي عام 1976 صدر قرار من وزير الإسكان السوري بتجميد البناء والعمل على إعداد تنظيم آخر لها، لتكون هذه الواجهة مناسبة سياحياً، ومن حينها مئات الناس الفقراء يملكون عقارات تقدر قيمها المالية بمئات الملايين، ولكنهم غير قادرين على التصرف بها، وكأن القدر مُصر على إبقائهم تحت خط الفقر.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: