Saturday April 20, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

تنمية التخلف وتأصيل التبعية كبنية كيانية في العلاقات الدولية

تنمية التخلف وتأصيل التبعية كبنية كيانية في العلاقات الدولية

د. مدين علي 

يؤكد مسار التطور الاقتصادي والتنمية الراهن، الذي سلكته الدول المتقدمة، أن امتلاك المعرفة، والقدرة على استيعاب التقانة والتكنولوجيا، يعد مدخلاً أساسياً لا بديل عنه مهما امتلكت الدول من موارد طبيعية وقدرات بشرية نوعية.  

لكن المسألة في الواقع، ليست بالبساطة التي يظنها بعضهم، أو يعتقد، إذ تكمن دون مرحلة بلوغ الهدف صعوبات كبرى، كما تتصارع إرادات، وتتنافس استراتيجيات. فبمقدار ما تتيح فرصة توظيف التقانة والتكنولوجيا الإمكانية لتحقيق التنمية، وإثبات الذات الاقتصادية والسياسية، وتأكيد الهوية الثقافية، بمقدار ما تُعدُّ العملية صعبة ومعقدة،  ومحكومة بقيود واستحقاقات مركبة، تبدأ من ضرورة توفير الموارد المالية، إعداد الكوادر البشرية وبناء القدرات المعرفية، وعبور عتبة البنية التقنية والتكنولوجية المطلوبة بالحد الأدنى، وتنتهي بحبكة الأطر القانونية والتنظيمية وأنظمة التراخيص و ونظم الإدارة وطرق التشغيل، التي عليها وبها،  يتحدد الإطار العام للعلاقة بين الشركات المنتجة للتقانة والتكنولوجيا، والدول المصدرة لها من جهة، والتي بغالبيتها دول متقدمة، أو قطعت أشواطاً كبيرة على طريق التقدم، وبين الدول المستوردة لها من جهة أخرى، والتي بغالبيتها دول متخلفة  أو نامية، وتكتسب المسألة  بُعداً أكثر تعقيداً في ظروف الدول التي تخضع لحصار تقني وتكنولوجي وعقوبات اقتصادية دولية.

وفي كافة الأحوال ثمة تشابه كبير، بين واقع الدول، التي تخضع سياسياً وعسكرياً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبين واقع الدول المستوردة للتقانة ونظم التكنولوجيا وأنساق المعرفة بكل مضامينها. فكما أن خروج الدولة التي خضعت لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ليس يسيراً حتى مع انتهاء الأسباب الموجبة، كما بينت الوقائع، كذلك الخروج من شرك العلاقة التي تربط شركة تكنولوجية مُطوِّرة، بدولة متخلفة، أو غير متخلفة، ليس أمراً يسيراً، فطبيعة العلاقة مع شركات التطوير التكنولوجي  والمنظومات البرمجية محكومة بخاصية الارتباط العضوي، والغوص المشترك نحو الأعماق مع كل تطور تقني أو مُنتج تكنولوجي جديد، وما على الدول المستوردة للتقانة والتكنولوجيا إلا القبول ، وإذا ما فكرت هذه الدول بعدم الاستجابة في الوقت الراهن، فهذا خيار مُمكن لها ومُتاح، وقرارها مستقل، ويمكن للشركة التكنولوجية المطورة أن تغض النظر، لكن الدفع سيأتي آجلاً، عندما يحتاج البلد المستورد للتكنولوجيا، لتوريد منتج تكنولوجي، أو تطبيق نظام برمجي جديد من اختصاص الشركة المُطوِّرة، أو إجراء تعديل برمجي يسهل تطبيق خدمة معينة، فإذاك سيدفع البلد المستورد العاجل والآجل معاً. 

وتبقى المسألة الأخطر التي تواجه الدول المتخلفة، المستوردة للتقانة والتكنولوجيا، هو عدم قدرتها على فك الارتباط، أو الانفصال عن الشركة المطورة (الأم) بيسرٍ وسهولة، ما قد يعرضها لخطر انهيار المنظومة، ولو مضت الدول المستوردة قدماً، وانفصلت، فسيتعين عليها أن تبحث عن شركات تطوير تكنولوجية جديدة، ربما تكون مكلفة، ويترتب عليها استحقاقات نوعية، وتواجهها صعوبات كبرى، جراء العقوبات والحصار التقني والحظر التكنولوجي، وفي حال عادت وحاولت الارتباط من جديد مع الشركة المطورة الأساس، فسيترتب عليها أن تدفع بمبالغ أكبر بدل الترخيص من جديد، وقد يُرفضُ طلب الارتباط أو يُقبَل وهنا يُفتَح بازار التفاوض والابتزاز.  في ضوء ما تقدم، يتبين لنا بصورةٍ واضحة، أن العلاقة الراهنة بين الدول المتخلفة والدول المتقدمة، تنطوي على مضمون مركب الأبعاد، تحكمه نزعة مكثفة نحو مزيد من التغول المتوحش في اقتصادات الدول المتخلفة، ونسف ديناميات استقلاها الاقتصادي، والسيطرة على مقومات الاعتماد على الذات، ما يسهم بقوة في تنمية التخلف، وتجديد التبعية وتعميقها، كحالة كيانية، تربط الدول المتقدمة مع الدول المتخلفة، وتعطي الشركات الدولية مزيداً من النفوذ، والقدرة على تجاوز السيادة، ومصادرة قرار الدول المتخلفة.

المصدر: خاص

بواسطة :

nour molhem

author

شارك المقال: