Monday April 29, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

طلال حيدر في "أرزل" العمر!

طلال حيدر في "أرزل" العمر!

 

فراس الهكّار 

إن ما ورد في عنوان هذا المقال ليس خطأً لغوياً، فبعض البشر يبلغون أرذل العمر وحسن الخاتمة، بينما يبلغ آخرون "أرزل" العمر وسوء الخاتمة، وفي كلتا الحالتين يُحدد المرء الخاتمة التي تناسبه، ويرسم طريقه إليها، أما مناسبة هذا الحديث فهو المشهد الذي ظهر فيه الشاعر اللبناني طلال حيدر مادحاً الملك السعودي الراحل عبد العزيز بن سعود، والملك الحالي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، خلال احتفال السفارة السعودية في العاصمة اللبنانية بيروت بذكرى تأسيس المملكة.

ألقى حيدر قصيدته في حشد كان في صفه الأول فؤاد السنيورة، وقد انفرجت أساريره وهو يستمع لـ"رائية" مديح آل سعود، وخلف الشاعر على المنصة وقفت بهية الحريري، والسفير السعودي، ليكتمل المشهد الذي أُريد توظيفه سياسياً، كتحدٍ صريح لمعارضي السياسة السعودية في لبنان والمنطقة، لكنه ما لبث أن ارتد لطمة دوّت على وجه الشاعر من مُحبيه الذين ارتبط اسمه بذاكرتهم الجمعية المتمردة على مشاريع الإذلال، والمُقاومة لها بالكلمة والبندقية، وما قصائده التي غنتها السيدة فيروز سوى جزء من مسيرته الراسخة في الوجدان العربي والتي أنهاها بـ"دراهم" معدودة.

إن ما حدث مع الشاعر طلال حيدر ليس فريداً، فمنذ أن قامت ممالك وإمارات الخليج وهي تحاول بالمال بناء "مجد" يُعوض شعورها بالنقص تجاه الحضارات المُحيطة بها في بغداد والشام والقاهرة، وليس سراً أنها نجحت في مشروعها خلال السنوات الأخيرة، وإن لم يكتمل بعد وفق الصورة المرسومة في مخيلتها، لكنه تنامى بفعل سياسات ممنهجة اتبعتها منذ سنوات، فبعد أن كانت في السابق، في عهد الآباء المؤسسين لتلك الممالك والإمارات، تدفع للصحف والقنوات والإذاعات العربية أموالاً طائلة، وتعتمد على مبدأ الإعارة الحكومية من الدول العربية لبناء مدارسها وجامعاتها ومؤسساتها الإعلامية، ظهرت في عهد الأبناء والأحفاد سياسة جديدة، قلبت المشهد، باعتمادها على شراء الأشخاص بدل استعارتهم، وقطع الأموال عن الصحف والقنوات الفضائية العربية لتُغلق تباعاً، مُفسحة المجال أمام إعلامها الذي يموله النفط الذي لا ينضب، وتمكنوا عبر تلك السياسة من شراء العديد من الأسماء اللاهثة خلف المال في مختلف المجالات، ليتكفل هؤلاء بإتمام المشروع وشراء البقية بالجوائز والمكافآت واستكتابات الصحف والمواقع الإلكترونية، وما ظهور الشاعر اللبناني بهذه الصورة سوى جزء من مشروع متكامل يُشتغل عليه منذ سنوات طويلة، لم يكن طلال حيدر الأول فيه ولن يكون الأخير، طالعوا الصحف والمواقع الإلكترونية والقنوات المُمولة خليجياً ستجدون مئات الأسماء من الهوائيين المتُقلبين بحثاً عن المنفعة المادية، ولم يبقَ سوى القليل ممن يحاولون الحفاظ على ماء وجوههم، ومن يدري إن كان هؤلاء سيصمدون طويلاً أمام المُغريات ومتطلبات الحياة، فيبلغون أرذل العمر بسلام وينالون حسن الخاتمة.

ومنذ بداية مشروعهم لم يدخر أمراء ممالك النفط جهداً أو مالاً في سبيل تحقيقه، فنجحوا مع البعض وفشلوا مع البعض الآخر، ففي عام 2011 جمعني وبعض الأصدقاء لقاء خاص مع الشاعر العراقي الراحل عبد الرزاق عبد الواحد وزوجته، وقد تحدث حينها عن مشاركته في مهرجان الجنادرية السعودي الشهير، وقال: "دُعيت إلى المملكة العربية السعودية عام 1989 لرعاية مهرجان الجنادرية، مقابل مكافأة مالية قدرها  100 ألف دولار، وقد استقبلني الدكتور عبد الله الغذامي، وطلب مني إلقاء قصيدة "المنعطف"، والتي أقول في مطلعها:

«الحمد لله يبقى المجد والشرف  &  أن العراق أمامي حيثما أقف»

فلم يعجب قولي بعض الأمراء، فخرجوا وهم يحوقلون، وقالوا: «هذا الشاعر ملحد، يتوجه بصلاته للعراق، ويترك التوجه إلى الكعبة الشريفة في مكة المكرمة»، فتابعت قصيدتي إلى نهايتها، ورفضت المكافأة المالية، وعدت إلى العراق.

في المقابل هناك من يخلق الأعذار والمُبررات لبائعي أنفسهم ومؤجري أقلامهم، ويرى أن إهمال حكومات بلدانهم لهم، وتجاهلها المتعمد لمسيرتهم، يجعلهم عرضة للابتزاز، وهدفاً سهلاً لأصحاب الأجندات والمشاريع، فغالباً ما يعيش المبدعون العرب سنوات حياتهم الأخيرة في فقر وعوز ومرض، ولا يُسئل عنهم أو يُتذكرون إلا حين يظهرون على ضفة أخرى، وهنا تُطلق عليهم سهام التخوين والعمالة، ولا يقبل أحد بأي تبرير لهم في بلاد ما زالت شعوبها تؤمن بالمثل القائل: «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها».

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: