تحديات أردوغان مابعد نتائج إسطنبول!!
محمد نادر العمري
تظهر ردود الأفعال والتصريحات المتشنجة لرئيس النظام التركي رجب أردوغان وكبار قادة حزب العدالة والتنمية، مدى الصدمة وخيبة الآمال من نتائج الانتخابات المحلية التي أعيدت في إسطنبول، التي فقد من خلالها أردوغان وحزبه سلطتهم على المدينة الاقتصادية الكبرى، بعد أن فقد في انتخابات آذار الماضي العاصمة السياسية أنقرة وأزمير.
إسطنبول التي يقال عنها:"أنه من يحكمها ...يحكم تركيا" ليس لأنها أكبر المدن في عدد السكان والعاصمة الاقتصادية فقط، بل لأن سكانها هم متنوعون ويمثلون كل الأعراق والتوجهات السياسية، ولهذا يمكن معرفة سبب الإصرار من قبل أردوغان بتقديم الطعون على نتائج إسطنبول بالتحديد، وإعادة الانتخابات بها بل والزج بنفسه شخصياً لقيادة الحملة الانتخابية لصالح مرشح حزبه (بن علي يدريم)....حتى أن صحيفة (بلو مبرغ ) عنونت منذ أيام: " أردوغان يعلم أن الإمبراطوريات السياسية يمكن أن تذوب في مدينة واحدة هي إسطنبول".
هذه الانتخابات التي لايدرك أهميتها أحد أكثر من أردوغان الذي وصل لسدة الحكم في تركيا من بوابة رئاسة مجلس إسطنبول البلدي عام 1994، لذلك وصفها بأنه "مسألة حياة أو موت بالنسبة للبلاد"، ونتائجها بفارق "٧٠٠" ألف من الأصوات زادت من الضغوط والمتاعب لأردوغان وحزبه وتضعه بين فكي كماشة، لأنها تفرض عليه مواجهة جملة من التحديات ذات التأثير المترابط داخلياً وخارجياً:
التحديات الداخلية:
• صحيح أن حزب العدالة والتنمية عزز حضوره منذ صعوده للحكم عام 2002, في إدارة الملف الاقتصادي ونجح في أقل من عقد وبالتحديد 2011 أن يصل بتركيا إلى تسجيل أرقام قياسية على المستوى العالمي حيث احتلت المرتبة الثانية عالمياً بعد الصين في معدل نمو الاقتصادي الذي سجل 8.8%، لينقذ بذلك البلاد من واحدة من أكبر الأزمات الاقتصادية التي عصفت بتركيا 2001، والتي أفضت إلى انهيار الليرة وارتفاع التضخم بنسبة 70% وإفلاس 54% من البنوك.
إلا أن الاستثمارات ورؤوس الأموال الغربية والإجراءات والإصلاحات الهيكلية التي فرضت على تركيا من قبل (صندوق النقد الدولي) خلفت أزمات بنيوية في الاقتصاد التركي، وهي ثغرة نجحت عواصم الدول المناوئة لأنقرة من استثمارها خلال العامين السابقين في استهداف الاقتصاد التركي لتغيير سلوكه والضغط عليه من قبل واشنطن والسعودية والإمارات، وهذا كان له بالغ الأثر في فقدان المدن الكبرى التي تأثر الوضع الاقتصادي لمواطنيها أكثر من غيرهم نتيجة تراجع معدات النمو وارتفاع البطالة وانخفاض قيمة الليرة بنسبة تجاوزت 35%.
• رغم أن أردوغان استطاع التفرد بالسلطة وحصر صنع القرار واتخاذه بيده بعد التعديلات الدستورية التي نقلت تركيا من نظام برلماني إلى آخر رئاسي، إلا أن من شأن هذه الانتخابات أن تعيد تشكيل الخارطة السياسية في المشهد الداخلي التركي بشكل لايتناسب مع طموحات أردوغان، وبخاصة في ظل توافر العوامل التالية:
1. إقصاء أردوغان لكبار مؤسسي الحزب مثل الرئيس السابق (عبدالله غول) ووزير الخارجية (أحمد داوود أوغلو)، أدى لافتقار الحزب لشخصيات سياسية مؤثرة على الناخب التركي، وأوجد حالة من الامتعاض والتراخي داخل حزب العدالة والتنمية.
2. من شأن هذه الانتكاسة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية أن تدفع بعض رموزه الحاليين أو السابقين للالتحاق بصفوف المعارضة أو لإنشاء أحزاب سياسية جديدة خشية انتقام أردوغان منهم، وهذا قد يشكل فرصة تاريخية أمام المعارضة لتحسين فرص فوزها في الانتخابات الرئاسية عام 2023, في حال تمكنت من جذب هؤلاء وتوحيد صفوفها وخياراتها في انتقاء شخصية توافقية ذات ثقل ووزن سياسي تستطيع مجابهة أردوغان.
التحديات الخارجية وتتمثل في عدة ملفات تتصدرها العلاقة المتدهورة مع الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بقضاية شكلت تجاذباً وصراعاً بين الجانبين ولاسيما رفض واشنطن للتوجه التركي في علاقات دافئة مع روسيا والتمسك بصفقة (أس400) والانخراط في مسار أستانا الذي يمثل تعاوناً مع إيران، وضمن هذا التحدي فإن أردوغان أمام ثلاث خيارات:
_ مواصلة أردوغان لسياسة تفضيل مصالحه واللجوء للعناد السياسي ضد الإدارة الأمريكية، في ظل تصاعد التهديدات من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصقور إدارته لتركيا، والتي بلغت ذروتها في تخيير تركيا بين التمسك بالناتو والعلاقة مع الغرب أو التوجه نحو روسيا.
_ إمساك أردوغان العصا من المنتصف لتقطيع الوقت حتى بلوغ الانتخابات الأميركية واستغلال انشغال الداخلي الأمريكي بالانتخابات لتحقيق بعض مصالحه، أو انتظار نتائج الانتخابات الأمريكية القادمة لمعرفة توجهات الإدارة الجديدة.
_زيادة التوجه بعلاقات استراتيجية مع خصوم الولايات المتحدة الأمريكية وبخاصة العلاقة مع روسيا وإيران والصين، بما يضمن لأنقرة تحسين تموضعها الإقليمي من جانب والحصول على امتيازات اقتصادية من هذه الدول لتخفيف أثر العقوبات الأمريكية.
أما التحدي الثاني أمام أردوغان فإنه يتمثل بالتحضير لملفات شائكة وساخنة أثناء محادثات أستانا القادمة، وخاصة بعد احتدام المعارك في إدلب والزج بكافة المجموعات الإرهابية والمسلحة بهذه المعارك دون أي نتيجة لذلك.
فضلاً عن الفرصة التي مازالت قائمة بخصوص بحث إجراءات تنسيقية بين الدول الضامنة وضمن حدود اتفاق أضنه فيما يتعلق بمسألة شرق الفرات، التي لاتخفي دول ضامني أستانا الثلاثة رغبتهم في رؤية الجنود الأميركيين خارج الميدان السوري، وإن تباينت أسبابهم ورؤيتهم لمستقبل هذه المنطقة، فضلاً عن المسعى الروسي للإسراع بعمل اللجنة الدستورية والاتفاق على نقاط الاختلاف حولها.
بينما يتمثل التحدي الثالث في علاقة تركيا مع الاتحاد الأوروبي والناتو، فهذه العلاقة لم تكن أفضل حالاً في الآونة الأخيرة من مثيلتها الأميركية، بل شهدت تجاذبات كثيرة استطاع أردوغان خلال السنوات الماضية من استثمارها لتحقيق مصالح اقتصادية ولاسيما في استخدام ملف اللاجئين كأداة ضغط وانتقام من الاتحاد الأوروبي الذي إغلاق الأبواب في وجه عضوية تركيا من جانب، ومن جانب آخر مثل توقيع وزير الدفاع التركي مع نظيره الروسي على اتفاق سوتشي وإصرار أنقرة على شراء الأسلحة الروسية ظاهرة خطيرة ومصيرية تنبئ باحتمالية انهيار الناتو التدريجي، لأنها قد تدفع دولاً أخرى للانجرار وراء تركيا.
أما التحدي الأبرز يكمن في علاقة حزب العدالة والتنمية مع القوى الكردية، وهذا التحدي متصل على المستويين الداخلي والخارجي، فأكراد تركيا استطاعوا أن يكونوا بيضة القبان التي رجحت كفة خصوم أردوغان (حزب الشعب) في الفوز بالمدينة الكبرى نتيجة نكران وجودهم واستمرار اضطهادهم سياسياً واجتماعياً، ورغم اتصال أردوغان الأخير بالزعيم التركي أوجلان ومغازلة بن يلدري للأكراد، كما أن استمرار تهديداته باجتياح الشمال السوري والعراقي للقضاء على الإرهاب الكردي شكل عاملاً حرجاً له في الانتخابات الأخيرة لعدم قدرته على تنفيذ تهديداته بسبب الرفض الروسي الإيراني لقيام بأي عمل دون التنسيق مع دمشق ضمن إطار بروتوكول (أضنه)، والحماية الأميركية لميليشيات قسد.
صحيح أن نتائج انتخابات إسطنبول مثلت صفعة وجهها الناخب التركي لأردوغان، إلا أن الخيارات مازالت متعددة أمامه، ولاسيما إنه قد يلجأ في المرحلة القادمة إلى التحضير للانتخابات الرئاسية لعام 2023، عبر استغلال الصراع الأمريكي الصيني لجلب الاستثمارات الصينية لبلاده مقابل تقديم المعلومات والتعاون في ملف الإيغوار الذي تخشاه القيادة الصينية من جانب ويزيد من حجم العلاقات مع روسيا وإيران في إطار أستانا أوغيرها من جانب ثاني، ولذلك ليس بالضرورة أن تدفع نتائج هذه الانتخابات بأردوغان نحوالانعزال الخارجي و الاهتمام بالداخل، بل قد تشكل عاملاً نحو تصرفات أكثر عدوانية على صعيد الخارج لتحسين تموضعه التفاوضي وأبرز أهمية دور تركيا الجيوسياسي.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: