سوريا-تركيا: ميزان القوى العسكري
فارس الجيرودي
مع تصاعد التهديدات التركية لدمشق عند كل منعطف هام في الحرب التي اندلعت منذ سبع سنوات على الأرض السورية، تنتشر المقارنات العسكرية بين البلدين، والتي تقوم على أساس إحصائيات كمية لكل نوعٍ من أنواع السلاح التي يمتلكها جيشا البلدين، وعادة ما تخلص تلك المقارنات إلى أن الجيش التركي يتفوق جواً وبحراً، مقابل تفوق الجيش السوري النسبي براً، لكن تلك المقارنات الكمية لا تعطي صورة حقيقية عن واقع التوازن العسكري بين سوريا وتركيا، كونها تتجاهل عوامل مفصلية أساسية في حسم أي مواجهة عسكرية مفترضة، أهم تلك العوامل:
١. كثافة الحماية للكيلومتر المربع من الأرض السورية بوسائط الدفاع الجوي أضعاف مضاعفة بالمقارنة مع الحماية المتوفرة في تركيا (نتيجة صغر مساحة سورية وكثافة دفاعاتها الجوية)، واكتمال منظومة دفاع جوي سورية متعددة الطبقات، بعد امتلاك سوريا لنظام s300 بعيد المدى، وزيادة أعداد بطاريات بوك ام 2 متوسطة المدى، وبطاريات البانتسير قصيرة المدى، وكلها منظومات حديثة، بالتالي عدد قليل من الطائرات والصواريخ السورية يستطيع أن يحدث الردع المطلوب ولا داعي للتفوق الجوي بالطيران الحربي السوري، للوصول إلى تحييد سلاح الجو التركي وتفوقه العددي.
2. الإحصائيات المذكورة تبين عدد القوات المسلحة النظامية العاملة في الجيش العربي السوري، ولا تأخذ بعين الاعتبار التشكيلات المختلفة للجيش الشعبي «والتقديرات تشير إلى أنه يزيد على الـ ٣٠٠,٠٠٠ مقاتل على الأقل مدربين ومنظمين وقادرين على التنسيق مع الجيش النظامي تحت قيادة واحدة».
٣. منظومة الدفاع البحري السورية تعتمد على صواريخ "ياخونت" الروسية فائقة التطور، ومع محدودية طول الساحل السوري ستتكفل هذه المنظومات بتدمير الجزء الأكبر من الأسطول التركي على مدى 300 كم من الساحل السوري، علماً بأن قطع الأسطول التركي تنتشر بمحاذاة اليونان وقبرص وعلى السواحل التركية ويمكن تدميرها بالياخونت قبل اقترابها حتى من الساحل السوري، كما أن تحصين المواقع العسكرية السورية القوي على طول سلسلة جبال اللاذقية المحاذية للساحل، ستجعل مهمة تدميرها شبه مستحيلة بالنسبة للقطع البحرية التركية.
4. الإحصائيات والمقارنات التي تنشرها المواقع العسكرية العالمية تتجاهل ما وفره البرنامج البالستي السوري من ترسانة صواريخ أرض-أرض قادرة على الوصول لأهم المدن التركية، وإلحاق أكبر ضرر بالاقتصاد التركي المعتمد بشكل أساسي على موارد السياحة، بينما قسم كبير من البنية التحتية السورية مدمر أصلاً نتيجة الحرب الشرسة منذ ثماني سنوات.
ولكن الأهم من التوازن العسكري بين جيشي البلدين، هو التوازن الجيو-سياسي: فتركيا محاصرة بشكل كامل بحلفاء سوريا (إيران وروسيا وأرمينيا والعراق وقبرص واليونان). وهذا دون الحديث عن القوى الحليفة لسورية داخل تركيا.
أما الميليشيات التي تعمل لصالح تركيا داخل سورية، فقد تم حصرها نتيجة لما انتهت إليه الحرب السورية في جيب صغير بمحافظة إدلب، كما أن القوات الحليفة لسورية (حزب الله اللبناني، فصائل الحشد الشعبي العراقية، الحرس الثوري الإيراني) توازنها وتتفوق عليها.
بالمقابل كان هناك منذ الثمانينات سيناريوهات لهجوم تركي-إسرائيلي متزامن ضد سوريا، ولكن هذا السيناريو أصبح بعيداً عن إمكانية التطبيق على أرض الواقع اليوم بسبب جملة متغيرات استراتيجية أهمها:
1- الوجود العسكري الروسي في قاعدة حميميم والذي يشمل طائرات حديثة وتحميه بطاريات s300-s400 ، ولا يتوقع أن تترك روسيا إسرائيل وتركيا تدمران كل ما أنجزته في سوريا منذ عام 2015 .
2- التجارب العسكرية المتكررة التي خاضتها إسرائيل خلال الاثنا عشر سنةً الأخيرة، ضد صواريخ وأنفاق المقاومة في كل من جنوب لبنان وغزة، تجعل التفكير في أي عمل عسكري إسرائيلي ضد سوريا مغامرةً طائشة، كون إسرائيل ستواجه هذه المرة نفس ما وجهته في لبنان وغزة لكن مضاعفاً مراتٍ عديدة، بالإضافة إلى وجود قوات إيرانية جاهزة ومدربة على القتال في جنوب سوريا، كل ذلك يخلق حالة من التوازن العسكري والاستراتيجي السوري مع إسرائيل.
ومعلوم أن شبكة تحالفات أي دولة تحتسب من ضمن قوتها الاستراتيجية.
لعل الحقائق السابقة هي ما منعت أردوغان من تنفيذ تهديداته السابقة بالتدخل العكسري لإنقاذ الفصائل المسلحة التي كانت تقاتل الحكومة المركزية، وتسيطر على مساحات شاسعة من الأرض السورية، قبل أن يجري حصرها أخيراً في إدلب، وهي حقائق القوة التي سترغمه في النهاية على القبول بعودة دولةٍ سوريةٍ مركزية تسيطر على كامل أرضها .
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: