Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

سوريا نحو تكامل مشرقي

سوريا نحو تكامل مشرقي

فارس الجيرودي

فيما تستمر التحليلات في العالم العربي حول أبعاد الانسحاب الأمريكي من سوريا، وحول إذا ما كان الانسحاب يستبطن خطةً لهجومٍ أمريكيٍ جديد، أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أمس أن الولايات المتحدة خسرت سوريا منذ ما قبل دخوله البيت الأبيض، ورأى أن فقدان واشنطن لفرصها في السيطرة على هذا البلد تعود أساساً إلى تراجع أوباما عن توجيه ضربة عسكرية لدمشق عام 2013، بعد تجاوزها الخطوط الحمراء "حسب الرواية الرسمية الأمريكية".

لكن تقييمات ترامب لسياسة سلفه أوباما، تبدو نظريةً جداً، من الواضح أنه يطرحها في سياق رده على منتقدي قراره الانسحاب من سوريا، خصوصاً أن هؤلاء المنتقدين يلعبون على وتر عشق الشعب الأمريكي للقوة ونفورهم من الرؤساء الضعفاء.

فقد أثبتت السنوات الماضية من حكم ترامب أن إقدامه فيما يخص الملف السوري، لم يكن أكبر من إقدام سلفه أوباما، إذ جرى عملياً طرد الميليشيات المتطرفة المعادية للدولة السورية، من معظم أراضي البلاد خلال عهد ترامب، ودون أن يتمكن من التدخل للحيلولة دون ذلك، إلا عبر الحملات الدبلوماسية والعقوبات الاقتصادية ضد حليفي دمشق روسيا وإيران، فيما لم تؤد الضربة المحسوبة التي وجهها لمواقع القوات  السورية في نيسان 2017 إلى أي تغييرات ذات شأن على موازين القوى في ميدان المعركة، ولا نتج عنها إخراج مطار سوري واحد عن العمل.

لذلك علينا كأنصارٍ لمحور المقاومة أن نتجاوز النقاش العقيم حول أبعاد وأهداف الانسحاب الأمريكي، وأن نكون أكثر ثقةً بأن ما أنجزه محورنا، وما قدمه شعبنا من تضحياتٍ ضخمة، هو ما أجبر الخصم الأمريكي على التراجع أخيراً من خطوط النار الأمامية، مفضلاً السلامة بعد أن خسر فرصه بتغيير المعادلات السورية.

ويبقى الأجدى اليوم أن نفكر باستثمار النصر الذي تحقق، فكم من نصر ضاعت ثماره، لأن صناعه أخفقوا في حصاد ما زرعوه، إما لقصورٍ في الرؤية، أو لإخفاقٍ في ترتيب الأولويات.

لقد اشتهر عن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد رؤيته الجيوسياسية للجمهورية العربية السورية، كمركز لمجالها الحيوي الطبيعي الذي يشتمل أيضا على (لبنان-العراق-الأردن- فلسطين) أو سوريا الطبيعية كما أسماها المفكر اللبناني الكبير انطون سعادة، ولم تكن تلك الرؤية بديلاً عن عروبة سوريا في نظر الرئيس الراحل بل مدخلاً طبيعياً إليها، لذلك بذل الأسد الكثير من الجهد وأعطى أولويةً لتوثيق علاقات سوريا بالبلدان السابقة، لكن الظروف التي حكمت السياسة في العالم و المنطقة خلال فترة حكم حافظ الأسد، حالت دون تطبيق تلك الرؤية على أرض الواقع، باستثناء علاقة سوريا بالمقاومتين اللبنانية والفلسطينية، والتي أثمرت كثيراً، لجهة استنزاف الكيان الصهيوني، ومنعه من الاستقرار، وإعاقة مخططاته الهادفة لممارسة التوسع والإخضاع لمحيطه.

اليوم ومع الانتصار الكبير الذي حققته سوريا على العنجهية الأمريكية وأدواتها الإرهابية، والذي يعود الفضل الأكبر فيه لما قدمه شعبها من تضحيات، أصبحنا نمتلك فرصةً تاريخيةً لتحقيق ما كان في الماضي أملاً بعيداً.

فليس حدثاً عابراً أن يكرر الرئيس الأمريكي ومسؤولوه عشرات المرات عبارة (أيام الأسد معدودة)، وأن تجمع الولايات المتحدة ضدك 132 دولة من أتباعها في مؤتمر دولي بمراكش عام 2012تحت عنوان (مؤتمر أصدقاء سوريا)، وأن تضع كل تلك الدول -التي تضم أغنى وأقوى دول العالم- هدفاً معلناً لها إسقاط الدولة السورية، ودعم كل من يقاتلها، حتى ولو انتمى علناً لتنظيم القاعدة الإرهابي الذي هدد أمن معظم بلدان العالم وقتل مواطنيها، (امتنعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون عن تصنيف جبهة النصرة –فرع القاعدة في سوريا، منظمةً إرهابيةً حتى ما بعد التموضع الروسي في سوريا، والذي أنهى عملياً أي فرص لإسقاط دمشق).

كما أن الحملة الإعلامية الضخمة التي شنت ضد الدولة السورية خلال السنوات الثماني الماضية، والتي استخدمت آليات علم النفس الجماعي وأساليب الإيحاء بأن الرئيس السوري بشار الأسد لن يبقى في سدة الرئاسة لا محالة، ستفرز لا شك أثراُ معاكساً في صفوف الجمهور العربي بعد أن تبين أن الأسد انتصر على التحالف الدولي العريض ضده، و أنه الرئيس الوحيد الذي أعلنت الولايات المتحدة أن شرعيته انتهت، لكنه رغم ذلك لم يمت شنقاً ولا قتلاً ولا هرب أو سُجِن.

إن فائض القوة المتشكل لدى سوريا، وهيبة الزعامة التي حققتها قيادتها،والدعم الذي تحظى به من قبل قوتين حليفتين صاعديتن في الاقليم والعالم (روسيا- إيران)، يجعلها اليوم في مكانةِ القادرِ على استثمار موقعها الجغرافي، لتكون منسق تكتلٍ مشرقي، يبدأ بتكامل اقتصادي بين كل من (العراق، لبنان، الأردن، سوريا)، وينعكس إيجابياً على شعوب هذه البلدان التي تعيش ظروفاً اقتصادية صعبة.

 ليتوج ذلك الانفتاح الاقتصادي لاحقاً بتنسيقٍ أمنيٍ ضد الخطرين الإرهابي والصهيوني، و لينتهي بتكاملٍ سياسي، يكون الرد الاستراتيجي على الرؤية الاستشراقية الغربية التي تصنف منطقتنا، كأرض للاثنيات والطوائف والقبائل المتقاتلة المتصارعة، دون مستوى الأمة أو الشعب.

 

 

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: