سوريا.. مقاربات دستورية (5) من بناء الدستور إلى إحلال السلام
حبيب شحادة
لا شك أنّ بناء الدستور عملية سياسية مُعقّدة، خصوصاً بعد الصراعات العنيفة، التي تتصف بتقسيم المجتمع بشكل عمودي ومن هذا المنطلق لا يمكن بناء الدستور بهذه الحالة، إلا عبر التوافق والتفاوض بين جميع أطراف الصراع. حيث تأخذ صياغته أهمية خاصة في فترة ما بعد الصراع.
ولقد نشطت عملية بناء الدساتير بشكل غير مسبوق بعد الحرب الباردة 1989 في معظم دول العالم، ومنها أمريكا اللاتينية وافريقيا (23 دولة من أصل 52) وفي آسيا، في إندونيسيا 2002 وباكستان 2001 وغيرها الكثير.
واليوم تشهد الدول العربية مجموعة من التغيرات والانقسامات التي فرضت على حكومات هذه الدول التوجه نحو تعديل أو تغيير دساتيرها بما يتوافق مع المستجدات الحاصلة في بنية مجتمعاتها سياسياً واجتماعياً وثقافياً. فهل تستطيع اللجنة الدستورية الُمشكلة لصياغة دستور لسوريا، بناء دستور يحقق المصالحة وينهي الحرب بين السوريين؟
حيث أن عملية بناء دستور، تعني بناء عقد اجتماعي جديد، كون العقد الاجتماعي الذي كان يحكم انهار أو أصبح لا يحقق الإجماع، ولذلك لا بد من ضوابط ومعايير تلتزم بها اللجنة في عملية تشكيل الدستور، ومنها مثلاً العملية السيادية لوضع الدستور فلا يجوز لأي دولة خارجية أن تطرح على السوريين أي دستور أو مسودة دستور، وأن يكون العامل الخارجي في بناء الدستور منحصر بالمشورة ومن موقع حيادي.
وهنا يأتي دور الأطراف الوطنية في أن يكون لها الدور الرئيسي والمحوري لإعداد الدستور بشكل ينسجم مع تطلعات كافة السوريين في أن يكون أداة للخروج من الأزمة، وأداة لإدارة الأزمات الوطنية ضمن بُنية الدولة في حال حدوثها، وذلك عبر دستور مُحقق للعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ومتوافق مع النوع الاجتماعي.
ولما كان الدستور كما يعتقد البعض أحد مسببات الأزمة، ربما يكون اليوم البدء بسلة الدستور أحد عوامل الخروج من الأزمة عبر استحداث هيكليات جديدة وإصلاح هياكل قائمة وحسم بعض القضايا الخلافية بالنص الدستوري من قبيل الدين والعلمانية والتشريع واستقلالية القضاء والكوتا النسائية. والأهم من كل ذلك الالتزام بتطبيق الدستور عبر ضمانات وآليات تنفيذية ملزمة.
بالتالي يمر الدستور بمراحل مختلفة، بدءاً من اختيار اللجنة وانتهاء بالاستفتاء عليه، وكل ذلك يبقى عديم الفائدة في حال لم يؤدي الدستور الجديد إلى بداية مرحلة جديدة مختلفة عن سابقتها، وتقطع مع آلية العمل والعقلية السابقة لتكون المخرج الأساسي والضامن لمنع العودة للصراع من جديد. ونختم بالقول لا يكفي القانون لبناء الدستور، وإنما الدستور "مثل الشجرة جذوره في الأرض وأغصانه في السماء".
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: