سلطة ومعارضة تحت الوصاية الأمريكية
فارس الجيرودي
تركزت التعليقات التي تناولت التعديلات الدستورية الأخيرة المقرة من قبل اللجنة العامة بالبرلمان المصري، على نقطة تغيير مدة ولاية رئيس الجمهورية، التي سمحت للرئيس "عبد الفتاح السيسي" بالبقاء في منصبه لمدة 12 عاماً بدءاً من سنة 2022، لكن التعديل الصادر في شكل تقرير من 16 صفحة وأقره البرلمان المصري، تضمن ما هو أهم من ذلك بكثير.
فلأول مرة منذ ثورة يوليو 1952 التي استبدلت النظام الملكي بالجمهوري، يعطي الدستور المصري قوةً لمنصب وزير الدفاع في مواجهة صلاحيات رئيس الجمهورية، حيث لن يكون بإمكان رئيس الجمهورية بعد الآن عزل وزير الدفاع من منصبه، دون الحصول على موافقة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، كما تُشَرِع التعديلات الأخيرة تدخل الجيش في السياسة، وهي سابقةٌ أخرى في التاريخ الدستوري المصري تشبه ما كان سائداً في تركيا قبل العام 2007 .
فبدءاً من إقرار التعديل الدستوري الجديد صار للجيش المصري حق حماية الدستور والديمقراطية، حسب النص التالي: «القوات المسلحة ملكٌ للشعب، مهمتها حماية البلاد... وصون الدستور والديموقراطية، والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها، وعلى مكتسبات الشعب وحقوق وحريات الأفراد»، ما يعني شرعنة أي انقلاب عسكري في المستقبل ضد أي رئيسٍ، على غرار ما حدث عام 2013 عندما تدخل الجيش لإسقاط الرئيس الإخواني "محمد مرسي" إثر مظاهرات عارمة طالبت باستقالته.
ويبدو التحصين الدستوري الجديد لمنصب وزير الدفاع خطوةً استباقية من القوات المسلحة المصرية، تهدف لمواجهة الانهيار المريع في شعبية رئيس الجمهورية "عبد الفتاح السيسي"، وذلك على خلفية الفشل الاقتصادي، والتراجع المتزايد في مستوى حياة الطبقتين الوسطى والدنيا، إثر تطبيق نصائح صندوق النقد الدولي، الخاصة برفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية مقابل الحصول على القروض الخارجية لتمويل مشاريع السيسي، التي التي لم تحرز حتى اليوم أي نجاح يذكر، رغم ما حظيت به من دعم شعبي مصري داخلي عند الإعلان عنها عام 2014.
ففي حين تشن الآلة الإعلامية الإخوانية حملةً ضخمةً ترتكز على شعار « يسقط حكم العسكر» حيث تشارك في الحملة من الدوحة قناة"الجزيرة" وتفرعاتها، بالإضافة لقناة "العربي" القطرية، وقنوات الإخوان المصريين "الشرق" و"مكملين" و"رابعة" و"الشرعية" من اسطنبول، قد يضطر المجلس العسكري للقوات المسلحة، للتضحية بالسيسي، و القبول بوصول رئيس مدني للمرة الثانية في تاريخ الجمهورية، بعد الرئيس الإخواني مرسي، الذي لم تطل ولايته كثيراً، لكن الرئيس الجديد سيكون هذه المرة مقيداً بصلاحيات موسعة للقوات المسلحة، تمنع أي تغيير في بنية السلطة الحالية.
عملياً وبعيداً عن الشعارات البراقة التي تستهدف تزييف وعي الجمهور، لا يبدو أن هناك أي اختلاف جذري بين المعسكرين المتصارعين في مصر «الجيش والإخوان» سواء لناحية ملف العلاقة الاستراتيجية بواشنطن التي أرسى دعائمها "أنور السادات"، أوبالنسبة لاتفاقية "كامب ديفيد"، التي لطالما رفع الإخوان شعاراتٍ معاديةً لها قبل أن ينجزوا صفقة مع واشنطن مهدت لما سمي "الربيع العربي" ونصت على موافقتهم على "كامب ديفيد" مقابل السماح لهم بالوصول للسلطة، كما أن الطرفين أعلنا عن انتهاج الإجراءات الاقتصادية النيوليبرالية ذاتها المعتمدة على تنفيذ نصائح صندوق النقد الدولي، المتعلقة بالخصخصة ورفع الدعم عن السلع الأساسية مقابل الحصول على القروض الخارجية، وهو ما أثبت فشله الذريع في جميع الدول التي طبقته، لكن ذلك الفشل لم يزد النخب الحاكمة والمعارضة -على السواء- في الدول العربية إلا إصراراً على إعادة التجربة.
وفيما تميز عهد الرئيس الإخواني مرسي بالتبعية للسياسات القطرية، حيث أدت قطر خلال فترة حكمه القصيرة دور الضامن للاقتصاد المصري، استبدلت التبعية المصرية لقطر بالتبعية لكل من الإمارات والسعودية في عهد الرئيس السيسي، لذلك وحتى إشعار آخر لا يبدو أن مصر ستخرج من دوامة تبادل الكراسي بين الجيش «الذي روضته معاهدة كامب ديفيد»، وبين نسخة الإسلاميين المعدلين وراثياً بما يناسب المصالح الأمريكية، والتي ظهرت مع «الربيع الدامي».
المصدر: خاص
شارك المقال: