Sunday November 24, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

صحافة "فوشي"

صحافة "فوشي"

كريم مهند شمس

 

تمجيداً، تقديساً، احتفالاً وتبريكاً لأهمية الدور العميق الذي تلعبه الصحافة في أرضنا العزيزة، في هذه المرحلة على وجه الخصوص وفي كل المراحل عموماً، حرّكنا واجبنا المهني وشرفنا الصحفي الذي لطالما عبرنا عنهما بكلماتنا الانسيابية الرقراقة.

ولذلك قررنا اليوم وبكل ما أوتينا من إخلاص وشغف للمهنة، أن نُخرج إلى العلن مولودنا الجديد، ذلك الإنجاز الذي أخفيناه لسنوات كثيرة، إنه الصنف الإعلامي المميز الذي طرحه القائمون على إدارة بعض وسائل الإعلام عندنا، رغماً عن أنوف وأقلام جميع ممتهني الصحافة ببلادنا، نعم إنها الصحافة "الفوشي".

فكما يوجد في الحياة صحافة صفراء تُعنى بالإشاعات وإثارة الفتن، وأخرى سوداء تروّج للإرهاب، وثالثة حمراء تظهر تزامناً مع ظهور الدماء والحروب، وأخيرة رمادية تدعي الوسطية والحياد والوقوف بالمنتصف، ولربّما واحدة بيضاء تدعو للسلام وإقامة المدن الفاضلة، لدينا نحن لون مميز تفردنا بإضافته لعلبة الألوان الصحفية تلك، ألا وهو الفوشي سالف الذكر.

وأما عن ماهيته فهي بسيطة، حيث أن ذلك الإعلام الذي لا تعتلي معظم شاشاته إلا الجميلات والمدعومات، ويقدم برامجه الصباحية ذوو الأجساد الرياضية من الشباب وأجمل عارضات الأزياء والراقصات، أو حتى القبيحات المتمتعات برضى المتنفذين، وذلك بغض النظر عن عدد المعلومات التي تتسع لها رؤسهن المُتخمة بالمكياج، ولا يهم إن قُدمت برامجنا على أيدي اللواتي ينطبق عليهن قول زياد الرحباني "يا ضيعان هالجسم بهالمخ".

الإعلام الفوشي هو ذلك الإعلام الذي تتصدره الأخبار التي تبدو وكأنها منقولة من "صبحية نسوان"، وتلك التجارية التي تهدف لإرضاء زبون ما علّه يُعلن لديها، لدناوة نفس القائم على بعض الوسائل وسياستها التحريرة أو خوفه ربما، فمن تظنون صاحب العنوان الشهير "شاهد قبل الحذف سقوط أو ارتفاع فستان فلانة"، بالطبع براءة اختراعه تعود للإعلام "الفوشي"، المكتظ بأخبار الطلاق والزواج والخيانة والشائعات والمباركات بإنجازات وهمية للبعض، فيما تصفر وسائل الإعلام "الفوشي"سارحة تحصي كم غنمة بقي بالمرعى حينما تقع واقعة أو تحدث مصيبة.

إنه ذلك الصنف الإعلامي الذي أوصل الناس إلى حالة هيستيرية تجعلهم ينتقدون كل ما يعرض، ولا يميزون بين السقطة الإعلامية واللمسة التي تُضاف عن قصد لجعل المادة أكثر إثارة للجدل، وبذات الوقت يبجلون وسائل إعلام الجيران حتى لو اكتظت بالرقص والفقش ونكت البالغين والجميلات المتدليات هنا وهناك.

لسنا نعمم ولا نجزم ولا نبهر، وحتماً لسنا نصبغ المقال باللون "الفوشي"، ولكن ما دامت بعض وسائل إعلامنا المحلية تعهد بإدارتها ورئاسة تحريرها للتجار والمستنفعين وذوي العقول المسطحة، فلن يخرج إلى العلن صحفي واحد يجرؤ على كتابة ما يراه يستحق الكتابة حقاً دون أن يخشى فصله فيموت جوعاً.

وما دام معظم ممتهني الصحافة غير مسجلين بالتأمينات الاجتماعية وربما بنقابة الصحفيين حتى، ويوقعون استقالاتهم قبل توقيع عقود عملهم ليستطيع مديروهم صرفهم متى يشاؤون، عدا عن كون أغلبهم غير أكاديميين وبلا تدريب صحيح، وتقلدوا مناصبهم باستخدام بطاقات سحرية ومكالمات التزكية.

ما دام الحال كذلك فستبقى تلك الوسائل تُصدّر للخارج صحافةً "فوشي" ... إحدى أكثر صيحات الصحافة نضارة وإشراقاً.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: