«صحافة الحوداث».. ضرورة ولكن ؟!
محمود عبد اللطيف
قبل بدء الأزمة السورية راجت جريدة "سالب موجب"، في سوق الإعلام السوري بطبيعة أنها تقدم مادة إعلامية مختلفة عن بقية الصحف التي توقفت عن الصدور مطلع الأزمة بسبب انخفاض نسب المبيعات وصعوبة الوصول إلى المحافظات السورية، وكانت الجريدة التي سحبت البساط من تحت أقدام صحيفة "الحوادث"، المصرية التي كانت تصل السوق السورية مع مجموعة كبيرة من المطبوعات العربية، لا تسترد أعدادها من المكاتب أو أكشاك بيع الصحف، بسبب الإقبال على شراءها حتى وإن كان العدد قديماً، فما يهم المواطن حينها كانت قراءة تلك الأخبار التي كان يسري اعتقاد شعبي أن غالبيتها مؤلفة أو مضافاً إليها تفاصيل بهدف خلق التشويق والإثارة لدى القارئ، كما أنّ برنامج "الشرطة في خدمة الشعب"، الذي كان يقدمه الإعلامي "علاء الدين الإيوبي"، يلقى نسبة عالية من المتابعة على الرغم من بثه لمرة واحدة في الأسبوع، حتى أنّ سؤاله اﻷخير لـ "المجرم"، والذي كان "هل أنت نادم على ما فعلت"، يلقى جواباً واحداً صار طرفة فيما بعد بين السوريين بالقول "ندمان يا سيدي ندمان".
إن ارتفاع معدل الجرائم خلال فترات الحروب يعد من النتاج الطبيعي للتبدلات التي تطرأ على سلوكيات الفرد ضمن المجتمعات التي تحيا الحروب، وغالباً ما تتعلق جرائم القتل بالجنس الذي يشكل العامل الأساسي في جرائم الاغتصاب أو الجرائم التي كانت تسمى "قتل بداعي الشرف"، أو بـ "المال"، كالقتل بهدف السرقة، وهذا غالباً ما ينتج عن تردي الأوضاع المعاشية في المناطق الفقيرة والأقل تعليماً، وبالتالي لا بد من وجود عمل إعلامي يعمل على تغطية هذا النوع من الأحداث بهدف التوعية، شرط عدم المبالغة في كشف كامل التفاصيل بما ينعكس على الحالة النفسية للمتلقي بإثارة مخاوفه من احتمال وقوعه ضحية لمثل هذه الجرائم.
في الآونة الأخيرة عملت وزارة الداخلية على نشر تفاصيل الجرائم التي يتم اكتشافها في سوريا ضمن وقت قصير عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وباتت جرائم الاغتصاب والقتل والخطف حديث السوريين على صفحاتهم، ولم يكن يعكس مفاجئة السوريين بمقدار تفشي الجريمة في سوريا، فما ينشر أقل بمئات المرات مما لا ينشر من تفاصيل الجرائم المسجلة في المحاكم السورية، ولم يكن أيضاً رد فعل السوريين عبر مواقع التواصل الاجتماعي طبيعياً، فمدى التأثر السلبي بما يعرض من تفاصيل هذه الجرائم على السوريين، ويلمس من خلال النصائح لتجنب التحول إلى "ضحية"، لمثل هذه الجرائم البشعة يعكس نوعاً من القلق والخوف الذي يثيره عرض تفاصيل الجرائم عبر الصفحة الرسمية للوزارة أو حتى برامج التلفزيون الرسمي.
من الطبيعي التوجه بالشكر إلى "وزارة الداخلية"، على المجهود الذي تبذلها في الكشف عن مرتكبي الجرائم، إلا أننا نحاول لفتها إلى ضرورة دراسة المحتوى البصري الذي يقدم عبر صفحتها الرسمية من مواد وتجنب عرض كامل التفاصيل واعترافات الفاعلين، لأنها تثير نوعاً من القلق والتخوف لدى عدداً ليس بالقليل من الأشخاص، الأمر الذي يلمس من خلال المطالبة بإيقاع عقوبة "الإعدام العلني"، على مرتكبي جرائم القتل واغتصاب الأطفال ليكونوا عبرة لغيرهم.
المصدر: خاص
شارك المقال: