شعار الموازنة الجديد.. 100% زيادة وهمية
المنتصر بالله العاري
يبدو أن فقر الصوماليين، ومجاعة اليمنيين، لن يتأخّرا كثيراً في دخولهما بيوت السوريين من بوابة مجلس الوزراء، فهم باتوا يحتسبون عدد حبات البطاطا التي يشترونها نتيجة تردي الوضع المعيشي، واختلال التوازن كلياً بين ما يتقاضونه من أجور وبين الغلاء الفاحش، في ظل فشل حكومتهم بفرض الرقابة على الأسعار وضبطها، بسبب انشغالها بمكافحة الفساد، الذي كان جديده هذه الأيام فصل موظف وإحالته إلى القضاء لتقاضيه رشوة مقدارها 50 ليرة سورية.
رفضُ الحكومة المتكرر لزيادة الرواتب وربطها بزيادة التنمية والاستثمار في بلد أرهقته الحرب بدأ يؤتي أُكلهُ أخيراً، فجيوب التجار وكبار رجال الأعمال الذين نالوا قروضاً ضخمة من الحكومة لإنفاقها في مشاريعهم الاستثمارية قد فاضت وطافت، شأنها في ذلك شأن جيوب العمال والموظفين التي فاضت بالهواء من شدة انتفاخ بطونهم وهم يتحسّسون قدوم الزيادة المرتقبة للرواتب.
وبعد سلسلة التصريحات المتناقضة لوزراء الحكومة السورية خلال العام الحالي، في ما يخص المطلب الشعبي الأول المتمثل بزيادة الرواتب، صدر أخيراً مشروع موازنة العام 2019 الذي ارتقبه السوريون بفارغ الصبر ليحمل معه بشرى الزيادة المنتظرة بمقدار 695 مليار ليرة زيادة عن الموازنة السابقة ظنّوها ستضاف لتحسين أجورهم.
ولأن الشيطان يكمن دائماً في التفاصيل، فقد وقعت أعينُ السوريين على الشيطان مباشرة عندما رأوا كتلة الرواتب والأجور في الموازنة الجديدة برقم 482 مليار ليرة سورية فقط، أي بزيادة نسبتها 3 % عن كتلتها في عام 2018 التي كانت 467 مليار، ما يعني حتما عدم وجود زيادة على الرواتب في العام المقبل، وهو ما يثير تساؤلات حول تصريح وزير المالية في وقت سابق قال فيه: «إنّ كتلة الرواتب هي 1000 مليار تشكّل ثلث الموازنة»؟؟.
ومع ذلك لم تغفل الحكومة عن الموضوع الأهم، إذ نجد في الموازنة بنداً يتحدث عن زيادة بنسبة 100% هي عبارة عن وصفة حكوميّة سحرية "تستغبي المواطن" تتمثل في زيادة بنسبة 12% على تعويضات العاملين، مخلوطة بـ87% عبارة عن فرص عمل جديدة عدّتها الحكومة "زيادة راتب"، أي أنّ الحكومة قررت أخيراً زيادة أجور العاملين عن طريق توظيف أشخاص جدد!!
لكن، إذا اقتربنا أكثر من شيطان التفاصيل نجد أن الحكومة قد زادت بنسبة 100% كتلة النفقات الإدارية والتحويلية (نفقات إدارية ونثريات وقرطاسية..) أي ما نسبته 40% من قيمة الموازنة الكلية.. نعم هي لم تنسى أبداً زيادة كتلة النفقات الخاصة بها، حتى لو كانت على حساب لقمة المواطنين وكرامتهم، فهذه النفقات مما لا يجوز فيها النقاش أو المساومة.
قد يظنها السوريون مزحة في ظل الارتفاع الفاحش للأسعار مقارنة بالراتب الذي يتقاضونه، إلا أن الواقع يشير إلى أن الحكومة السورية لا تعرف المزاح فيما يتعلق بسياسة خنق المواطن "كما يسميها السوريون"، فلم نعد الآن أمام تصريحات يدلى بها هنا وهناك حول زيادة الرواتب، فمشروع الموازنة بات جاهزاً ولا ينتظر سوى المصادقة عليه من قبل مجلس الشعب السوري.
لعله لم يعد هناك من يرى في تحسين الوضع المعيشي للمواطن العادي أولوية تذكر، أو أن الحكومة باتت مقتنعة بعد قرابة ثماني سنوات من الحرب أنه "بالنفقات الإدارية والقرطاسية تستطيع أن تبني الوطن"...
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: