رهان إسرائيل الأخير
فارس الجيرودي
تبدو إسرائيل هذه الأيام في أمس الحاجة لرفع غطاء السرية عن علاقات التحالف المضمرة التي تجمعها بعدد من الأنظمة العربية، بل والمبالغة فيها وتضخيمها، وذلك في مواجهة افتقاد الإحساس بالأمان في بيئتها المحيطة، عقب التطور الاستراتيجي المزدوج، المتمثل بفشل مشروع إسقاط الدولة السورية الذي راهنت عليه، وبالوجود المستجد لكل من حزب الله وإيران على الأرض السورية بالقرب من جبهة الجولان.
وكشفت قناة "13" العبرية يوم 10-2-2019 عن تقرير سري، أعده عضوا لجنة الخارجية والأمن في الكنيست الصهيوني "عوفر شيلح" و"عمر بارليف"، واحتوى تحذير عددٍ من كبار قادة الجيش الإسرائيلي الحاليين ومعهم نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق، من التراجع الكبير في قدرات الألوية البرية وسلاح المدرعات الإسرائيليين، ومن فقدان ثقة القيادة الإسرائيلية بما فيها نتنياهو نفسه بقدرة هذا السلاح على التوغل في العمقين السوري واللبناني، من أجل السيطرة على قواعد إطلاق الصواريخ التي تهدد في حال نشوب حرب على الجبهة الشمالية، العمق الصهيوني بشكل واسع، وعلى نحو ليس له مثيل في أي من تجارب إسرائيل العسكرية السابقة طوال تاريخها.
بالمقابل وعلى التوازي مع التقرير العسكري الإسرائيلي، تعرض القناة الإسرائيلية نفسها برنامجاً تحت عنوان "أسرار الخليج" تخصص كل حلقة فيه لفتح ملف العلاقات مع إحدى دول الخليج، حيث كشفت سلسلة التحقيقات الإسرائيلية هذه عن معلومات مثيرة بشأن تسابق الدول الخليجية على التنسيق مع تل أبيب، خصوصاً إثر تفجر مخاوفها بسبب توقيع إدارة الرئيس الأمريكي السابق "باراك أوباما"، اتفاق «الخمسة+1» مع إيران حول برنامجها النووي، وحسب التقرير تم افتتاح قناة تنسيق مباشرة بين ممثلين عن رئيس الوزراء الاسرائيلي "بنيامين نتنياهو" وممثلين عن رجل الإمارات القوي ولي العهد الإماراتي "محمد بن زايد"، حيث تعتبر هذه القناة القابلة القانونية لما عرف لاحقاً بـ"صفقة القرن"، إذ اقترح بن زايد تسوية شاملة للصراع العربي- الإسرائيلي، تقطع الطريق أمام ما تعتبره الإمارت والسعودية تدخلاً إيرانياً في الشأن العربي عبر بوابة القضية الفلسطينية، واعتبر بن زايد أن حليفه رجل السعودية القوي ولي العهد "محمد بن سلمان" قادر عبر استغلال مكانة بلاده الدينية على فرض تسوية على الفلسطينيين تتضمن التنازل عن قضيتي القدس واللاجئين.
أما حلقة أمس التي خصصت للعلاقات مع السعودية، فقد كشفت عن رسائل الرياض لتل أبيب أثناء حرب تموز 2006 حينها حثت الممكلة إسرائيل على ضرب حزب الله بكل قوتها، كما تحدثت عن جهود ولي العهد السعودي والحاكم الفعلي للمملكة، "محمد بن سلمان" لتعميق العلاقات مع كيان العدو، وعن زيارة قام بها رئيس الموساد السابق "تامير باردو" للرياض عام 2014، وعن تنسيق بين الجانبين في نهاية حرب غزة في نفس العام، من أجل إعادة إعمار القطاع المحاصر مقابل إطلاق عملية السلام، وتفاصيل تعاون سعودي-إسرائيلي أمني وسياسي ضد إيران، بما في ذلك تعاون اللوبيين السعوديين والصهيوني في واشنطن لا سقاط الاتفاق النووي الموقع عام 2015.
وفي السياق ذاته كان لافتاً تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم الأربعاء عن «تطور علاقات إسرائيل بجميع دول المنطقة عدا سوريا».
لكن وعكس ما توحي به التصريحات الإسرائيلية، تكشف الوثائق الاستخباراتية الغربية التي رفعت السرية عنها، عن تاريخ طويل قديم من التنسيق والتحالف وتبادل المنافع الاستراتيجي بين الأنظمة العربية الملكية التي كان يصطلح على وصفها خلال عقد الستينات بمعسكر الدول الرجعية، في مواجهة ما عرف حينها بمعسكر الدول التقدمية «سوريا، مصر، العراق، ليبيا، الجزائر، اليمن الجنوبي»، حيث ثبت تحريض الملك السعودي "فيصل بن عبد العزيز" إسرائيل على توجيه ضربة عسكرية لكل من سوريا ومصر عام 1967 بهدف احتواء المد القومي الذي كان يهدد بإسقاط الأنظمة الملكية في العالم العربي، كما ثبت تعاون السعودية وإسرائيل عسكرياً في جهود استنزاف الجيش المصري في حرب اليمن منذ العام 1962.
إلى جانب ذلك تثبت الوثائق الغربية والإسرائيلية التي كشف عنها لاحقاً تنسيقاً أردنياً-إسرائيلياً قبل وخلال حروب إسرائيل الثلاث 1948 و1967 وحرب 1973 التي اعترف الملك الأردني بلسانه على قناة MBC السعودية بأنه طار إلى تل أبيب لتحذيرها منها، كما كشفت الرقابة العسكرية الإسرائيلية بعد ستين عاماً بالتمام والكمال، عن مساهمة ملك المغرب الحسن الثاني في التحضير الإسرائيلي لعدوان 1967 عندما سمح للموساد بزرع أجهزة تنصت في غرفة اجتماع القادة العرب في الرباط في الثالث عشر من شهر أيلول (سبتمبر) من العام 1965، وكان لذلك دور حاسم في اتخاذ قرار الحرب الإسرائيلي، بعد أن اكتشف قادة إسرائيل من خلال مناقشات الحكام العرب عدم جاهزية مصر للحرب.
لم تكن إسرائيل خلال حقبة قوتها بحاجة لفضح حلفائها من الحكام العرب، ولا كانت مضطرةً لإحراجهم أمام شعوبهم، ولإضعاف مكانتهم المعنوية، عبر هتك ستر تعاونهم معها ضد أعدائها، لكنها اليوم في زمن قلقها الاستراتيجي المتعاظم، وفي ظل فقدان المستوطنين الصهاينة ثقتهم بقدرة جيشهم على حمايتهم، تبدو أشبه بالغريق المتعلق بقشة علاقاته القديمة الجديدة، والتي يراهن عليها لمواجهة التهديدات، لكنه رهان على سراب، إذ كان أولى بكل من الإمارات والسعودية أن ينقذا أنفسهما من ورطة اليمن الاستراتيجية «لوكانا أفضل حالاً من إسرائيل».
شارك المقال: