قطار الإصلاح خارج سكته !
حبيب شحادة
لا تزال تداعيات مشروع "الإصلاح الإداري" تتدحرج في أروقة الجهات العامة، دون قدرتها على إحداث خرق في بنية تلك الإدارة المستعصية على الإصلاح، ودون قدرة المواطن على الشعور بالرضا لجهة تحسين جودة الخدمة المُقدمة له، وكذلك عدم رضا الموظف عن واقع وظيفته، خصوصاً من يحملون الشهادات العليا، والتي تعتبر "كفاءات" ضمن بنية الإدارة.
وأخر ما حرر حول مسيرة "الإصلاح الإداري"، كان موضوع سبر المعلومات والمهارات الإدارية للمرشحين لمنصب مدير تنمية إدارية في مختلف الجهات العامة (20 جهة) والبالغ عددهم (441) مرشح، وذلك بعد تنفيذ عمليات دمج بين مديريات الشؤون الإدارية والتنمية الإدارية في إطار تنفيذ المشروع الوطني للإصلاح الإداري.
معايير واضحة لكنها لا تطبق
رغم نَص قرار وزارة التنمية الإدارية رقم 17 لعام 2019، على معايير صريحة لشغل وظيفة مدير التنمية الإدارية، وعلى أن يُرشح اثنين على الأقل من قبل كل وزير أو محافظ، أو رئيس هيئة، إلا أنّ ذلك يقي حبراً على ورق، وتنصلت بعض الجهات من الالتزام بنص القرار، رغبة منها في ترشيح أشخاص مدعومين، أو الإبقاء على أشخاص قائمين بفعل تفشي المحسوبيات والفساد.
ومن بين الاختصاصات التي حددها القرار المذكور /اقتصاد – حقوق – شهادة عليا في الإدارة العامة/، وأعطى الأولوية في الترشيح لحاملي الشهادة العليا في الإدارة. وفي حال عدم توفر هذه الاختصاصات، حدد القرار بالبند /ب/ من المادة /1/ مجموعة اختصاصات أخرى، ومع ذلك رشحت بعض الجهات بتوقيع وزيرها أشخاص لا تتناسب شهادتهم مع هذه الاختصاصات في مخالفة واضحة وصريحة لنص القرار، ولمشروع الإصلاح الإداري بكامله.
كما قامت رئاسة الحكومة، التي تشرف على مشروع الإصلاح الإداري، بترشيح شخص واحد فقط لشغل الوظيفة (المدير الحالي) في مخالفة للقرار رقم /17/ الناتج عن قرار رئاسة مجلس الوزراء رقم /23/م. و، تاريخ 13/5/2019، والمتضمن اعتماد دليل نموذجي لمديريات التنمية الإدارية، ما يعني أنّ من وضع القرار يقوم بمخالفته بشكل واضح وعلني.
مزاجية الإدارة
رغم وجود قوانين وتشريعات تحكم كل الجهات العامة، يبقى لمزاجية الإدارة الدور الأكبر في عمل أية جهة عامة، حيث تجلى ذلك في موضوع الترشيح لشغل وظيفة مدير تنمية إدارية بشكل فاضح، يقول رامي، (رفض ذكر اسم وزارته) " رغم أنني خريج المعهد الوطني للإدارة العامة، ورغم إعطاء الأولوية لترشيح خريجي المعهد في نص القرار، إلا أن وزارتي لم ترشحني، وفضلت ترشيح المدير الحالي الحامل لشهادة لا تتوافق مع أي من الاختصاصات المنصوص عليها".
جدير ذكره، أنّ خريجي المعهد الوطني للإدارة العامة (الإينا)، والذي يفوق عددهم ال 600 خريج منذ تأسيس المعهد عام 2003، ما زال العديد منهم مهمشين في مواقع وظيفية دنيا، لصالح من يعتبرون جذور الفساد في مختلف المؤسسات السورية، والذين يتبوؤون مناصب الإدارة العليا والتنفيذية.
موظف أخر، خريج (الإينا) تم ترشيحه، لِيُرفض فيما بعد بحجة عدم وجود خبرة 5 سنوات، مع العلم أنّه مكلف بمهام مدير تنمية إدارية منذ حوالي التسعة أشهر، في حين أنّ وزارة التعليم العالي رفضت ترشيح أي من خريجي الإينا، بحجة أنهم يجب أن يرشحوا من يحملون شهادة الدكتوراه، لنعود من جديد لمفهوم (دكترة الإدارة).
يقول الخبير الإداري، "عبد الرحمن تيشوري"، لجريدتنا إنّه " لم يتم الالتزام بالمعايير، وإنّما تم الاعتماد على المحسوبيات والسمسرات" مضيفاً، أنّ الاصلاح الاداري لا زال مجرد كلام جميل والتنفيذ صفر.
لكن بالمقابل يمكن القول بأنّ ما تقوم به وزارة التنمية في محاولة منها للإصلاح، يعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنها مُكبلة بالعديد من المعوقات التي ربّما تنتجها الوزارة بنفسها، وعلى سبيل المثال لا الحصر، كان يمكن لوزارة التنمية أن تطرح مشروعها بالاعتماد على كوادر مُدربة وكفؤة وقادرة على التغيير، لا أن تترك المجال مفتوحاً أمام من يريد تغييب الكفاءات الإدارية لمصالحه الشخصية.
كما أنّ أيّة عملية إصلاح تحتاج إلى الجرأة وإلى كسر نمطيّات سابقة قديمة، لتحل مكانها آليات وميكانيزمات جديدة تكون قادرة على إحداث التغيير في هيكلية الإدارة، حيث لعامل الوقت أهمية حاسمة في تنفيذ الإصلاح من عدمه، إذ لا يمكن لمشروع إصلاحي أن يستمر لحوالي العشرين عام دون أن يلمس المواطن نتائجه.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: