Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

قراءة في خلفيات غارة "مصياف"

قراءة في خلفيات غارة "مصياف"

محمد نادر العمري

مرة جديدة يلجأ الكيان الإسرائيلي إلى بعث رسائل سياسية بطابع عسكري عبر عملياته العدوانية دون الحربية من خلال أجواء الأراضي اللبنانية هذه المرة، بتوقيت سياسي يستثمره بنيامين نتنياهو في ظل الدعم الأميركي اللامحدود، وبناء على ذلك يمكن قراءة هذا العدوان الذي استهدف المنطقة الشمالية من ريف مدينة حماة "مصياف" بعد أقل من أسبوع من استهدافها من قبل المجموعات المسلحة، وهو الأمر الذي يؤكد العلاقة الارتباطية بين الكيان الإسرائيلي والمجموعات المسلحة، وفق النقاط التالية:

أولاً: حاجة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لمثل هذا العدوان على ثلاث أصعدة، الصعيد الداخلي المتعلق بمحاولة نتنياهو إحراز أي انتصار ولو كان إعلامياً لتحسين تموضعه في مرحلة مابعد الانتخابات بعد فوزه بنسبة قليلة أمام منافسه الحزب اليساري "أزرقأبيض" واستثمار هذا العدوان لتشكيل تحالف حكومي مع الأحزاب اليمينية الأخرى يترأسه نتنياهو مجدداًليكون بذلك سجل اسمه كأكثر حاكم بتاريخ دولة الاحتلال منذ إنشائه_ ويبعد اليساريين من المشاركة بتشكيل الحكومة المزمع تشكيله مع احتمال منح بعض الأحزاب الصغيرة منها وزارات دون حقيبة لأحداث شرخ في صفوف اليساريين وإضعاف المعارضة ضده، ومن جانب آخر فأن نتنياهو يحرص على ترأس الحكومة المقبلة بعد زيادة تأزم وضعه المتعلق بقضايا الفساد التي أثبتها مستشار القضائي لحكومة الاحتلال قبل انتخابات بحق نتنياهو و زوجته جنائياً و قضائياً، ولذلك سارع نتنياهو للهروب خطوى للأمام عبر الدعوى لانتخابات مبكرى للفوز بها والوصول مجدداً لترأس الحكومة وإسقاط التهم الفساد بالتقادم.

كما أن نتنياهو يسعى لرفع معنويات جنوده في ظل تكاثر التقارير لمراكز الدراسات العبرية توضح عجز هذا الكيان وجيشه عن القيام بمواجهة مباشرة مع أي من أطراف محور المقاومة، أما على الصعيد الإقليمي يتعلق بالتخبط الإسرائيلي الواضح في ظل ضبابية المشهد فيما يتعلق بقرار الانسحاب الأميركي، والخشية من مخرجات الاجتماع العسكري الثلاثي الذي عقد في دمشق والذي ضم رؤساء هيئات كل من إيران والعراق ووزيره الدفاع السوري ومحاولة معرفة مفاعيل هذا القرار ، ومن ناحية ثالثة رسالة موجهة لدمشق ومحور المقاومة بأن تل أبيب مازالت متواجدة في المنطقة ولن تسمح بحل سياسي في سوريا لايراعي المصالح الإسرائيلية في مقدمتها خروج إيران ومحور المقاومة، وبخاصة أن هذا العدوان جاء بعد أيام قليلة من الاعتراف الأميركية بسيادة الكيان الإسرائيلي على الجولان المحتل وتصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة "إرهابية" من قبل إدارة واشنطن، الأمر الذي تريد تل أبيب استثماره كتبرير لعدوانها على الداخل السوري وربما العراقي أيضاً.

كما أن هذا العدوان الذي استهدف عدد من المواقع الحيوية للجيش السوري وبخاصة مركز البحوث العلمية يؤكد بأن تل أبيب ومن خلفها واشنطن والدول الغربية لاتريد لسوريا ودول المنطقة أن تمتلك قدرات علمية متقدمة من الناحية العسكرية وهو مادفع إسرائيل لاغتيال العقول السورية كان آخرها منذ أقل من عام عندما وجهت المسلحين لاستهداف مدير مركز البحوث في مصيافه د.عزيز إسبر.
 
اللجوء لاستخدام أجواء الأراضي اللبنانية هذه المرة قد يحمل بعدين الأول معرفة إمكانات ومقدرات حزب الله وجس نبضه واستفزازه لأن يقوم الحزب باستخدام قدراته دفاعية ضد طائرات العدو بأسلحة نوعية يمتلكها، والثاني محاولة مباغتة الدفاعات الجوية السورية والبحث عن مناطق انتشار بطاريات صواريخ S300، ومن جانب آخر يمكن قراءة إطلاق الصواريخ من خارج المجال الجوي السوري بأنه نتيجة حتمية لتآكل قدرة التفوق لسلاح الجو الإسرائيلي _ الذي طالما تفاخر به هذا الكيان_ نتيجة امتلاك سوريا قدرات دفاعية.

التصدي الجوي لبعض هذه الصواريخ قبل دخولها المجال السوري يشير إلى حالة التأهب والجهوزية التي يبديها الجيش السوري رغم مرور تسع سنوات من حرب الاستنزاف التي خاضها، والقرار الاستراتيجي للقيادة السورية في التصدي لأي عدوان.

 هناك حالة انزعاج من قبل القادة الأمنيين والعسكريين لهذا الكيان من استمرار بعض الدول العربية بتصحيح مسار علاقاتها مع دمشق، وهذا قد يفشل كافة جهود نتنياهو السابقة في الذهاب نحو تطبيع مع دول عربية لتصفية القضية الفلسطينية، وهو اليوم يبعث برسالة بأنه سيكون في مقدمة دول الناتو الأمني العربي لمواجهة محور المقاومة وإيران، بعد إعلان مصر نيتها الخروج منه.

من الواضح أن تل أبيب التي مازالت تلجأ لسياساتها العدوانية دون الحربية تلعب بالنار في إطار التصعيد المشترك مع واشنطن ضد سوريا وإيران معاً، ولكن هل سيكون نتنياهو المنتشي بطعم النتصار الانتخابي قادراً على تلقي الرد وتحمل نتائجه في حال اتخذ من قبل محور المقاومة بالتوقيت والمكان اللذان يختارهما قيادات المحور.

هذا السؤال سيبقى مطروحاً ولكن في ذات الوقت على نتنياهو أن يبقي في ذاكرته كيف استطاع صاروخ واحد أصاب تل أبيب من أن يعكر احتفاله بأعتراف واشنطن الأحادي وإهدائه الجولان له منذ أسابيع.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: