Friday November 22, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

قانونُ سيزر خطوةُ تصعيدٍ جديدة في وتائرِ الحربِ الاقتصاديةِ على سوريا

قانونُ سيزر خطوةُ تصعيدٍ جديدة في وتائرِ الحربِ الاقتصاديةِ على سوريا

                                                    الدكتور مدين علي
لا يعد توقيع قانون سيزر، المتضمن إدراج عقوبات إضافية ضد الاقتصاد السوري، حدثاً مفاجئاً وغير متوقعاً من الرئيس الأمريكي ترامب، فمشروع القانون موجودٌ ومطروحٌ، داخل الأروقة الاستخباراتية والسياسية، والهيئة التشريعية في مجلسي النواب والشيوخ منذ بعض الوقت، إذ بقي الموضوع قيد التجاذب بين أخذ ورد، بين قوى سياسية واقتصادية أمريكية مختلفة، من الجمهوريين والديموقراطيين، ويبقى السؤال المطروح: كيف يمكن قراءة صدور قانون سيزر؟ وما هي دلالات صدوره الآن؟ ولماذا؟ وهل يندرج صدور هذا القانون في نطاق السياسة الخارجية الأمريكية حصراً؟ وهل هو موجه حصراً ضد الدولة السورية؟ أم أنه ينطوي على رسائل ومضامين لأطراف وقوى دولية وغير دولية أساسية وثانوية، منغمسة في المسألة السورية، ما هي منعكساته على الاقتصاد السوري؟

لا يمكن التعاطي مع قانون سيزر بمنظور المفاجأة، وبالتالي لا يمكن تصنيفه كقانون مفاجئ، فهو مُرتقَبٌ ومتوقعٌ منذ بعض الوقت، كما لا يمكن التعاطي معه، وكأنه مسألة تخص فريق السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية فقط. فصدوره مسألة، في جانبٍ كبيرٍ منها، مرتبط بقضايا داخلية، تندرج في نطاق التنافس بين مراكز القوى السياسية والاقتصادية، وأدوات الصراع السياسي، داخل مجلسي النواب والشيوخ (الكونغرس الأمريكي)، كما يندرج صدوره أيضاُ في سياق صفقات التقاص والابتزاز السياسي والتسويات، ولُعب تدوير زوايا المواقف، وآليات تعزيز القدرات على الإمساك بأوراق الضغط والخيوط الخاصة بمراكز قوى في بنية الدولة العميقة والدوائر الانتخابية والمالية، ما يعني أن قانون سيزر في جانبٍ منه، يُعدُّ ورقةٌ داخلية، مُنحت للرئيس ترامب بثمن أو مقابل. وهنا يبقى السؤال المطروح: ماذا قدم ترامب في الداخل مقابل انتزاعه القانون كأداة في الخارج، وهل أن الدفع عاجل أم آجل؟

مما لا شك فيه أنّ قانون سيزر يُعدُّ ورقة مهمة، يمكن للرئيس ترامب، أن يعتمد عليها كثيراً في عملية التوظيف السياسي، في الداخل والخارج، فالقانون يمنح الرئيس الأمريكي، قدرةٌ أكبر تُساعده في تحسين شروط التفاوض مع جميع القوى الإقليمية والدولية، ومختلف الأطراف المنغمسة في الملف السوري، كما يمكن أن يُستخدم كورقة مهمة للتسويات، أو للابتزاز السياسي والاقتصادي، لصالح الرئيس الأمريكي، ومصالح الولايات المتحدة الأمريكية ، هذا وينطوي القانون على رسائل، مختلفة  تتضمن مجموعة كبيرة من الإشارات والمضامين، موجهة للمنافسين في الداخل الأمريكي هذا من جهة، ولروسيا وإيران ولبنان والعراق وسورية من جهة أخرى. ويبقى تقدير الموقف وتوقيت الاستخدام، وكيف يمكن أن يُستثمر القانون أو يُستخدم، وضد مَن، كل ذلك ضمن المسائل التي تخص المقربين من دائرة الرئيس الخاصة، ومن المسائل التي تندرج في نطاق صلاحياته.
 
تخضع سورية ومنذ عدة سنوات لنظام عقوبات قسرية شديد ومتشدد (غير دولية بالمعنى القانوني لطالما أنها لم تصدر بموجبِ قرار أممي عن مجلس الأمن الدولي، مع الأخذ بالحسبان أن مفاعيلها من الناحية الاقتصادية، ترقى إلى مستوى العقوبات الأممية)، رتّبَ على الشعب السوري كثيراً من التكاليف والضغوط المادية والمعنوية. هذا ويأتي قانون سيزر استكمالاً يتضمن فرض إجراءات وتدابير إضافية، تستهدف تضييق الخناق على الاقتصاد السوري، لطالما أن مساحة العقوبات الجديدة، المُتضمنة في القانون المذكور، أصبحت تشمل بصورة مباشرة، مؤسسة البنك المركزي السوري، وأن دائرة الملاحقة والاستهداف، قد اتسعت لتطال المتعاملين مالياً واقتصادياً مع الدولة السورية في الخارج، وأما المتعاملين الاقتصاديين والماليين في الداخل فتشميلهم تحصيل حاصل.
ويبقى السؤال المطروح: ما لعمل؟

في كافة الأحوال، لا يجوز على الإطلاق، أن نستسهل من وقع هذا القانون الظالم على الشعب السوري، ولا أن نقلل من حجم تبعاته الاقتصادية والمالية المحتملة، إذ سيؤدي تطبيق القانون إلى تشديد الحصار على المؤسسات الاقتصادية والمالية السورية، وفي مقدمتها البنك المركزي، وسيضعف من قدرته على التحرك والمناورة، لكن ما يجب يُؤخذَ بالحسبان، أن بنود قانون سيزر ومضامينه الأساسية، تعدُّ من الناحية العملية مطبقة في الكثير من جوانبها في الوقت الراهن ضد المؤسسات الاقتصادية والمالية السورية، بما فيها البنك المركزي، إذ تمّ ومنذ بعض الوقت، إدراج كثيراً من الفعاليات الاقتصادية والهيئات، والنخب المالية والشخصيات في لوائح العقوبات. وتوقف كثيراً منها، بل معظمها عن تقديم الخدمات المالية والاقتصادية التقليدية، التي كانت تجري لحساب الاقتصاد السوري أو لصالحه.

إن ما يجب أن يُؤخذ بالحسبان أن مسار العقوبات، سيمتد لأجلٍ طويل، ومن المحتمل أن يأخذ مناحي إضافية، ومضامين أخرى أكثر إيلاماً، ولنا في عقوبات العراق وغير العراق، كثيراً من العِبَر، التي يجب أن نتعلمَ منها، ونستخلصَ منها الدروس، التي يمكن أن تساعد في تعزيز مقومات الصمود الاقتصادي للدولة السورية، ويبقى المدخل الأساس لذلك، العمل بقوة وحزمٍ ، ودون تردد، لأجل تطويق قوى الفساد في الداخل، ومحاصرة شبكاته، التي تعدُّ المستفيد الأكبر من استمرار حالة العقوبات، بل وتوسيع نطاقها، كما يتعين علينا أن نعمل بقوةٍ، لأجل تحفيز الاستثمار والنمو الاقتصادي، وتقييد الاستيراد، وضبطه كماً ونوعاً ضمن حدود، أو مستوى الضروريات، ويبقى الأبرز في هذا الإطار، هو العمل المُكثَّف، لأجل تنشيط  دورة الإنتاج، لا سيما الإنتاج الزراعي، وإنتاج الصناعات الغذائية، وصناعة الأدوية، والصناعات الأخرى المختلفة، التي تعتمد على مواد أولية، ومستلزمات إنتاج متوافرة في السوق المحلية، ولها دورة إنتاج سلعي ونقدي قصيرة المدى والأجل.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: