قانون البيوع العقارية كنموذج على (اللا عدالة) و(اللا واقعية)
عشتار محمود
دخل قانون البيوع العقارية قيد التنفيذ، وبدأت المالية تعدّ نتائجه... ومع ذلك لا يزال الجدل يدور حول القانون نتيجة دلالاته على عقلية السياسات في هذه المرحلة، والمالية منها تحديداً. سياسات يعتبر القانون المذكور انعكاساً جلياً لها تهدف فقط لزيادة الجباية، دون تعويض أو عدالة.
وفق القانون رقم 15 لعام 2021 فإن السلطات التنفيذية تعتبر نفسها شريكاً للمواطنين في ملكية عقاراتهم وفي المكاسب من تداولها، ولكن لماذا لم تعتبر الحكومة نفسها شريكاً للمواطنين في خسارة عقاراتهم وفقدانها خلال سنوات الحرب؟! وما هذه الشراكة التي لا يقابلها أدنى مستوى من الخدمات: لا خدمات كهرباء وطرق وبنى تحتية، ولا خدمات إسكان وتسهيلات ليحصل الملايين على المأوى؟ ومن ناحية أخرى لماذا تطال هذه القوانين الحلقات الأضعف، بينما يستثنى بوضوح من هم في أعلى درجات سلم السوق العقارية ويستحقون فعلاً الجباية...
أسئلة كثيرة حول السياسات المتبّعة في المرحلة الحالية، يملك السوريون فعلياً أجوبتها: فالقوانين منحازة للأقوى، ومطبقة على الأضعف.
مفارقات من تصريحات المالية (حصيلة وسطية قليلة)!
وفق السلطات التنفيذية فإن لقانون البيوع العقارية مبرر قانوني ومالي، فالحكومة تستحق مالاً أكثر من هذا النشاط العقاري، باعتباره نشاط واسع جداً ويجب أن يتحول إلى واحد من مصادر المالية العامة.
والحكومة تريد أن تزيد حصيلتها من ضرائب البيوع العقارية التي بلغت وفق تصريحات سابقة قيمة 5 مليار ليرة في عام 2019.
ولكن وفق نتائج شهر من حصيلة الضريبة وفق الأسعار الجديدة الرائجة للعقارات فإن الحصيلة خلال شهر بلغت: 737 مليون ليرة فقط، وفق تصريحات أخيرة لمدير المصالح العقارية. أي إذا ما أخذناها كوسطي شهري، فإن الحصيلة السنوية قد لا تزيد عن 8,8 مليار ليرة بزيادة غير كبيرة بالمقارنة مع الزيادة الكبيرة في تقديرات أسعار العقارات.
المفارقة أن المالية ذاتها كانت قد صرحت سابقاً بأنها قد طبقت الضريبة بالأسعار الجديدة على 1720 معاملة بيوع، وبقيمة تقديرية للعقارات: 210 مليار ليرة! وفق هذا الرقم فإن الضريبة إن كانت بالحد الأدنى: 1% (وهو أقل نسبة للضريبة وفق القانون) فإن الحصيلة يفترض ألّا تقل عن 2 مليار ليرة، فما الذي يفسّر هذه الحصيلة المنخفضة 737 مليون ليرة التي لا تتجاوز نسبة 0.35% من قيمة العقارات المذكورة؟!
عملياً إن كانت تصريحات المالية، أو مدير المصالح العقارية فإن هذا يعني أن معظم هذه العاملات والعقارات لم تكن عملات بيوع، بل كان الجزء الأعظم منها هو توريث وهبة المواطنين لعقاراتهم إلى ذويهم من الأزواج والأصول والفروع. وهؤلاء فقط من تطبق عليهم ضريبة أقل من 1%... الأمر الذي يدل على واحد من اثنين: إمّا أن القانون قد خفّف من حركة البيوع العقارية كبيع وآجار، أو أنّ السوق عملياً متوقفة والتداولات الأساسية هي لعمليات التوريث.
والحكومة تحصل بالدرجة الأولى من نقل المواطنين أموالهم وممتلكاتهم لعائلاتهم! الأمر الذي يوضح مدى عدم عدالة وواقعية هذا الرفع الضريبي...
عدم التمييز بين المضارب العقاري وطالب المأوى!
تزداد عدالة القوانين، كلما كانت أكثر ارتباطاً بالواقع وبالتالي أكثر تفصيلية، لتأخذ بعين الاعتبار الحالات التي يتم تطبيق الضريبة عليها، والقانون الذي يساوي بين نشاط البيع العقاري بكل أوجهه هي مساواة غير محقّة، وغير عادلة. فالفرق كبير جداً بين سوق المضاربة العقارية التي تقوم بالبيع والشراء، وبين سوق العقارات حيث يسعى السوريون لتأمين المأوى أو الاستفادة من مدخرات العمر!
إن سوق المضاربة العقارية في سوريا هي سوق كبيرة، حيث كثير من الممتلئين مالياً يبيّضون أموالهم بتكديس وشراء وبيع العقارات بغاية الربح وحفظ قيمة الأموال، وهي عملية تشبه المتاجرة بالدولار لأنها تؤدي إلى تزيد من انخفاض قيمة الليرة عبر ضخ الكثير من الأموال في تملك العقارات وتحديداً في لحظة اشتداد الازمات المالية وارتفاع قيمة الليرة.
ولكن هل استطاع القانون أن يوجد آلية لتمييز هؤلاء المضاربين العقاريين؟ كأن يأخذ بعين الاعتبار عدد المداولات العقارية للشخص أو للعائلة أو للشركة. فمن يبيع منزل العائلة مرة واحدة ويقتصر نشاطه العقاري تقريباً على هذه العملية، يجب أن يتم تمييزه ضريبياً عن نشاط من يتداول عقارات عديدة بمعدلات سنوية أو أقل! ومن غير العدالة أن تساوي القوانين بين هاتين الحالتين لتستحقان ضريبة متشابهة؟!
استثناء الشركات العقارية وتحميل الحلقات الأضعف
المفارقة أيضاً أن شركات الاستثمار العقاري التي نبتت كالفطر في الحالة السورية، مستثناة من هذا الرفع الضريبي، بل ومشمولة بالإعفاءات الضريبية لقانون الاستثمار الجديد... وهذه الشركات محدد في سعر السوق، وفي حركة البيع والشراء في السوق السورية، وهي عملياً من استملكت أحياء ومناطق بأكملها بعد أن اشترت دمارها من أهلها بأرخص الأثمان.
وبعيداً عن المساواة في النصوص، فإنه حتى لو كانت هذه الشركات مشمولة، فإن هذه الضريبة بكل حالاتها ستدفعها الحلقات الأضعف... أي الشرائح الاجتماعية التي تشتري أو تستأجر لغايات تأمين المأوى، أو تبيع لغايات تأمين المستقبل لا المرابحة والمضاربة!
فعملياً عندما تبحث أسرة عن منزل فإن هذا الشاري سيتم تحميله الضريبة على سعر الشراء لأنه الحلقة الأضعف، وغالباً ما يشتري من سوق العقارات التي لا تكون مضطرة أو مستعجلة على البيع، وسيلجأ المواطن لدفع مبلغ الـ 2 مليون ليرة الإضافية لترفع من سعر العقار وإلا فإن (رجل السوق مالك العقارات) لن يكون مضطراً للبيع.
والعكس بالعكس، عندما تضطر الأسرة إلى بيع منزل يمثل بالنسبة لأغلب الأسر السورية وفق ثقافة مجتمعنا الاقتصادية (جنى العمر)، ستخضع عملية البيع لضغط السوق ويحمّل البائع في هذه الحالة الضريبة ليضطر لتخفيضها من السعر الأساسي. أي أن الضريبة ستتحول إلى جزء من أسعار العقارات تدفعها الحلقة الأضعف، وتتجنبها حلقة سوق المستثمرين بالعقارات.
الحكومة لا تهمها تفاصيل من هذا النوع، ولا المشرعين ومصدري هذه القرارات، وإلّا لكانت استثنت الإيجارات من كل هذا القانون... فلا ندري أية عدالة هذه التي ترفع ضريبة الإيجارات في بلد فيه أكثر من 6 مليون شخص نازح داخلياً وخسروا منازلهم بعد تدميرها؟! وبأي قانون أو قاعدة اجتماعية وسياسية واقتصادية تغضّ الحكومة النظر عن كون الإيجارات تتحول إلى عبء هائل يفوق وسطي دخل الأسر السورية! والضريبة هنا ستخضع أيضاً لقانون الأقوى والأضعف، فالمؤجر سيحاول أن يعوّض خسارته من الضريبة عبر رفع الأجار، والمستأجر سيدفع للمالية.
عشرات المليارات التي ستجنيها المالية كما تجني من غيرها من الإجراءات والقوانين، لا نستطيع فعلياً أن نرى آثارها، ولا يبدو أن هنالك مساعٍ جدية لتحويلها إلى خدمات اجتماعية... فالحكومة عملياً لم تعد مستعدة حتى لتخفيض سعر الأراضي العامة التي يفترض أن تكون ملكاً للسوريين! لاستعادة نشاط الجمعيات السكنية لحل أزمات السكن الكبرى. وبينما تطلب منّا السلطات التنفيذية أن نتحلى بالصبر لتحمّل الظروف الاستثنائية ونساعد الحكومة على (جني الأموال)، فإنّها عملياً تتجاهل تماماً حقيقة سياسية واجتماعية فاقعة: أن المجتمع السوري يحتاج إلى تعويض كبير وقد بلغ ذروته في التحمّل.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: