Saturday May 4, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

مستوى الدخل السوري: الكل يتراجع ولكن الأجر يتلاشى !

مستوى الدخل السوري: الكل يتراجع ولكن الأجر يتلاشى !

عشتار محمود

تتراجع جميع مصادر الدخول الحقيقية في سوريا... فسواء كنتَ تملك منشأة أو تستثمر في تجارة أو تعمل في مهنة حرّة من الزراعة للحرف والخدمات وصولاً إلى الغالبية العظمى من السوريين الذين يعملون مقابل أجر، فإنّك في معظم هذه الحالات والحلقات تشهد تراجعاً سنوياً في القيمة الفعلية لربحك أو أجرك، نتيجة التراجع الاقتصادي العام: تراجع الإنتاج والاستهلاك. ولا يُستثنى من هذا إلا شريحة ضيقة جداً ذات نفوذ كبير وتمتلك احتكار السلع الأساسية وتنشط بالمضاربة.

وعموماً، كلما ازدادت قوّتك وموقعك الاقتصادي، كلما استطعت أن تحافظ نسبياً على مستوى دخلك في العاصفة السورية، الأمر الذي يجعل الحلقة الأضعف: أي أصحاب الأجر... يدفعون الثمن الأكبر، وسط تثبيت الأجور مقابل ارتفاع مجمل الأسعار بتسارع غير مسبوق خلال العامين الماضيين.

الدخل قليل للجميع!

قلة الدخل الإجمالي تظهر من الحصة الوسطية لكل فرد أو ما يسمّى بالدخل الوسطي للفرد... إذ حتى لو افترضنا وجود عدالة كاملة في التوزيع، أي إذا وزعنا كل الدخل المُنتج في سوريا عام 2019 على كل المواطنين بالتساوي، فإن ما يحصل عليه كلّ فرد لا يكفي للحاجات الأساسية. وفق هذا الافتراض فإن كل مواطن سيحصل على 65 ألف ليرة شهرياً، وعائلة من خمسة أشخاص ستحصل على 325 ألف ليرة تقريباً...

وحتى بهذه الحال فإن هذا لن يكفي! فوفق التقديرات المحلية (لصحيفة قاسيون) قاربت تكاليف معيشة أسرة 385 ألف ليرة في نهاية عام 2019. ما يعني أنه حتى بافتراض توزيع عادل تماماً فإن الأسر السورية لن تستطيع أن تحصل على دخل يقابل كل تكاليف المعيشة الأساسية من غذاء وسكن ولباس وتعليم وصحة ومختلف الحاجات الضرورية. وزيادة الدخل الإجمالي هي ضرورة أساسية.

القانون يسمح بأجر 50 ألف ليرة!

ولكن عدا عن الدخل القليل المتاح للأسر، فإن التوزيع غير العادل يزيد الأمر سوءاً. فمعظم الأسر السورية لا تحصل على هذه الحصة الوسطية، بينما أسر قليلة أخرى تحصل على أعلى من هذا المستوى بأضعاف مضاعفة!

الأسر التي تعتمد على الأجور لتعيل نفسها تحصل على القليل جداً، فعملياً كل مشتغل في سورية يعيل أربعة أشخاص على الأقل وفق البيانات الرسمية لقوّة العمل...

فالأجر الوسطي لموظفي الدولة مثلاً لا يزال عند حدود 60 ألف ليرة للعامل! (وهو الأجر الذي يُعطى لحوالي 920 ألف عامل في الجهاز المدني)، بالمقابل فإن الأجور في القطاع الخاص ضمن هذه الحدود أيضاً وتحديداً في الأشغال غير النظامية وفي حالات تشغيل الطلاب غير الخريجيين، والنساء الشابات، والمراهقين والأطفال، إذ قد يقارب الأجر الوسطي في القطاع الخاص 80 ألف ليرة أو أقل. وعملياً لا يوجد ما يلزم بزيادة الأجور إذ إن الحد الأدنى للأجر رسمياً لا يتجاوز 50 ألف ليرة، وهو الحد الذي من المفترض أن يلتزم به أصحاب الأعمال قانونياً!

وبناء على هذا الوسطي المجحف، فإن أسر العاملين بأجر عليها أن تشغّل كل أفرادها لتؤمّن أقل من نصف حاجاتها!

2020- 2021 تسارع تدهور الدخل

بينما كان من المفترض أن تتضاعف الأجور أربع مرّات في 2019 لتستطيع أن تؤمن الحاجات الضرورية، إلا أن ما حصل في 2020 هو العكس... إذ تضاعفت الأسعار بينما بقيت الأجور ثابتة رقماً وتتلاشى قيمة!

فعملياً تضاعفت تكاليف المعيشة خلال عام فقط! أما الحاجات الضرورية لأسرة التي كان يمكن لمبلغ 385 ألف ليرة أن يغطيها، أصبحت تكلفتها أكثر من 730 ألف ليرة في مطلع 2021.

ومعدل التدهور تسارع في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021 فسباق الأسعار على أشدّه، والارتفاعات تتضخم والدخول تتقلص. وإذا ما أخذنا الزيت النباتي فقط كمقياس... فإن أجر الـ 60 ألف ليرة في بداية 2021 كان يعادل 10 ليتر زيت نباتي لا أكثر، بينما تقلّص اليوم ليصبح يعادل 5 ليترات اليوم! أما بمقياس الدولار فانخفاض قيمة الأجر أعلى من هذا!

إن زيادة الأجور في سوريا أصبحت ضرورة حياتية أو بشكل أدق ضرورة استمرار، فهذه الفوارق الهائلة بين تكاليف العيش وبين الأجور هي المساهم الأساسي في التوسع الكبير في ظاهرة الجوع في سوريا التي وصلت بمقياس برنامج الغذاء العالمي WFP لتشمل 12 مليون شخص غير قادرين على تأمين الغذاء الكافي. 

والطريق الأساسي لزيادة الأجر اليوم: هو تثبيت الأسعار وإلا فإن أية زيادة في الأجور لن تؤدي الغرض بل ستساهم في ارتفاع الأسعار فقط. 

أما الطريق الأساسي لتثبيت الأسعار فهو بدوره يعتمد على زيادة الإنتاج يجب أن تتحرك العمليات الإنتاج لزيادة الدخول على كل المستويات، وهذه بدورها لا يمكن أن تتحرك طالما سعر العملة المحلية غير مستقر والمضاربة مستمرة وهي التي تنجم بالدرجة الأولى عن عمليات تهريب الأموال. 

الحلول حلقة متكاملة هدفها الأساسي يجب أن يكون إنقاذ الملايين من أسر أصحاب الأجر من الجوع، وأداتها الأساسية هي زيادة الإنتاج لزيادة الدخول وتثبيت الأسعار بل تخفيضها، أمّا الطريق الأساسي فهو مواجهة المستفيدين الكبار من هذا الوضع وهم شريحة ضيقة جداً ولكنها عالية النفوذ.

https://www.facebook.com/105986514160132/videos/812113639663519

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: