مشافي بالجملة و"أخطاء قاتلة" في مناطق سيطرة "قسد"
فجأة تسمع صرخات الألم والوجع تصدح في غرف لا يوجد فيها إلا أسرة خصصت للمرضى لكنها تشبه كل شيء إلا "سرير المريض"، تعود الصرخات لتنطلق من جديد دون أن تجد من يصغي لها، اقتربنا أكثر فوجدنا شاب في العقد الثاني ملقى على السرير، ووالدته بجانبه تحدثنا معها لنعرف قصة الشاب الذي قالت "أم عمر" إنه ابنها "أحمد"، الذي أصيب بانفجار لغم أرضي من مخلفات "داعش" في منطقة "الشعفة"، التي توجد تحت سيطرة ميليشيا "قسد".
وتتابع "أم عمر" كلامها لجريدتنا من داخل أحد المشافي في ريف "دير الزور" الشرقي: «ابني أصيب عند عودتنا إلى المنزل لكن إلى اليوم لم نتمكن من علاج إصابته فكما يقول الطبيب إصابته متوسطة ولكننا منذ عشرة أيام ونحن في المشفى وابني لم يتعافى، وهذا ما يجعل معاناتنا مضاعفة مادية ومعنوية في ظل عجز الطب الموجود عن علاج حالته، حالة أحمد ليست الوحيدة فهناك العشرات من الحالات المشابهة».
مشافي بالجملة ..
بعد أن دمر "التحالف الدولي"، خلال معركته مع "داعش" المشافي الموجودة في ريف "دير الزور"، وسيطرة "ميليشيا قسد" على المراكز الصحية، وجعلها مقرات لقواتها المنتشرة في القرى هذا دفع الكثير من أبناء المنطقة إلى استثمار هذه النقطة وبناء منازل تصلح للسكن، لكن التصميم كمشفى والتعاقد مع طبيب وافتتاحه دون حسيب أو رقيب حتى وصلت عدد المشافي والمجمعات الطبية الموجودة في المنطقة أكثر من ٥٠ وهو رقم قياسي في ظل ضعف الإمكانات المتاحة».
يقول "علاء ش"، وهو موظف في أحد مشافي الخط الشرقي : إن «جميع المشافي الموجودة في المنطقة تفتقر إلى الكثير من المقومات والمعدات الطبية فهي أشبه بالمشافي الميدانية وهي بعيدة عن الشروط الصحية مما يجعل المريض بين نارين القبول بالوضع أو تحمل المزيد من الألم كما أن غياب الرقابة جعل الأمور تتجه إلى الأسوء عبر دخول الكثيرين إلى المهنة وهم ممن لا يحملون أي شهادة وهذه هي الكارثة، حيث ترى الأخطاء الطبية بالجملة وعلى المريض وذويه تحمل كل شيء من تكاليف ونتائج وغيرها».
أما "حسنة ف" من أبناء مدينة "الشحيل" تقول: «لقد دخلت المشفى بعد كشف الطبيب للولادة التي كان من المفترض أن تكون طبيعية حسب كلامه، لكن بعد مضي أكثر من ثلاث ساعات طلب غرفة العمليات وقال لا يمكن أن تكون الولادة طبيعية عليك الخضوع لعملية قيصرية، وبالفعل هذا ما حدث وهناك حالات مشابهة بالمئات، إلا أن الهدف هو مادي بحت بعيداً عن الواجب الإنساني».
صيدليات أم محلات سمانة...
يقول "سلمان ح"، وهو من قرية "الحوايج": «من المعروف أن الصيدلية تفتح بعد أن يكون صاحبها قد نال شهادة صيدلة هنا في ريف "دير الزور"، هذا الموضوع شبه غائب مع عدم توفر شهادات مما فسح المجال أمام الكثير من الممرضين في فتح صيدليات وارتكاب أخطاء طبية أدت في كثير من الحالات إلى الموت أو نقل الحالة إلى "دمشق"، وذلك نتيجة الجهل بالدواء الممنوح وتأثيراته الجانبية كما أدى وجود هؤلاء الأشخاص في مكانهم غير المناسب إلى انتشار الأدوية المهدئة والتي لا تصرف إلا بموجب وصفة طبية وانتشرت بين شباب ظاهرة تناول أدوية مثل "ترامدول، سيدفين، زولام" وغيرها الكثير من هذه الأدوية الممنوعة مما أفقد الصيدلية طابعها الطبي وتحولت إلى ما يشبه البقالية وخصوصاً أن المريض هو من يعرف علاجه دون وصفة طبية».
شهادات مزورة ودورات بإشراف ممرضين
يتحدث "ساهر. ز" لجريدتنا بحرقة قلب: «الفوضى وغياب الرقابة الحقيقية جعلت الشخص يستطيع اختيار الشهادة التي يريد عبر تزويرها ومن ثم ممارسة العمل فيها هذا الموضوع طال حتى الشهادات الطبية فهناك الكثير من الأطباء في المنطقة مازالوا طلاب، ولكن الفوضى جعلتهم يفتحون عيادات ويمارسون المهنة كذلك الموضوع الأمر ينطبق على الممرضين الذين استفادوا من تجربتهم في مشافي داعش قبل دخول "قسد" إلى المنطقة واليوم يتابعون العمل بل يقومون بدورات لتعليم التمريض ممن يرغب من أبناء المنطقة».
موقف قسد والمنظمات الدولية
بعد عامين من سيطرة "قسد" على ريف "دير الزور" ما تزال الخدمات الطبية المقدمة ضعيفة وفق الإمكانات والدعم المادي الممنوح من قبل قوات التحالف الدولي والمنظمات الدولية، ووفق مصدر مسؤول رفض الكشف عن اسمه يقول إن «الدعم حين يأتي يسحب باتجاه الحسكة من قبل بعض الأكراد المسؤولين في هذا المجال ولا تحظى "دير الزور" إلا بالقليل إضافة إلى أن المسؤولين على الخدمات الطبية يقومون بسرقة الأموال وهم من يسهل عمل أصحاب الشهادات المزورة عبر أخذ رشاوي من قبل صاحب الشهادة وغض النظر عنه».
وتم افتتاح العديد من المراكز الصحية في القرى ولكنها لا تقدم المأمول للمواطن ولقاحات الاطفال المقدمة تكون بالتعاون مع الدولة السورية التي ترسل جميع اللقاحات إلى المنطقة.
أما المنظمات الدولية فهي تقدم الأدوية والعلاج عبر حملات وجولات ميدانية تقوم بها على القرى وهي لا تكفي لتغطية المنطقة بالكامل.
وفي آخر حادثة كانت بين المجلس المحلي وقوات "قسد" التي تسيطر على "مشفى هجين"، وتتخذه مقراُ لقواتها رفضت تسليمه للمجلس المحلي، وهذا ما تثبيته المراسلات الجارية بين الطرفين.
وفي النهاية، يبقى الواقع الطبي مأساوي وهو بحاجة إلى إعادة تأهيل من كافة النواحي الإدارية والطبية وغيرها وإلى حينها يبقى على المواطن يدفع الفاتورة ويتحمل الأخطاء الطبية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: