مرتزقة الـ«فيسبوك».. عن قادة الرأي العام الجدد في سوريا
إن شهوة الـ "تريند" باتت محركاً لعمل الكثير ممن يمارسون "قيادة الرأي العام"، على الرغم من جهالتهم بآلية وأدوات هذه المهمة، حتى أنّ الكثير منهم لم يعد يخاطب جمهوراً واحداً، فهو تارة يميل نحو إبداء مواقف مؤيدة للدولة السورية وتارة يذهب نحو مخاطبة الجمهور المعارض.
إنّ قيادة الرأي العام تختلف تماماً عن قيادة القطيع، وبناء الحجة في أي قضية يستند أولاً لمعلومات موثقة يمكن أن تفضي لنتيجة، وليس بالضرورة أن تكون مهمة قائد الرأي العام محصورة بتسليط الضوء على السلبيات من أداء الحكومة، بل الذهاب نحو تحقيق إصلاح مجتمعي يعزز مكانة القانون لدى المواطن، ويدعو لانتاج مجتمع مدني متحرر من رواسب ما مضى من عادات وتقاليد وأفكار معلبة، وليس لقائد الرأي العام أن يمارس الإلغاء والإقصاء لمن يعارضه في فكره، أو يختلف معه بالرأي.
اللافت أيضاً أن وسائل الإعلام باتت سبباً لتكريس ظاهرة "الناشطين"، أو من يصفون أنفسهم بـ "قادة الرأي العام"، وتفسح لهم مجالا واسعاً ليعرضوا أرائهم، بل وبات يعتبر ما ينشروه خبراً يستوجب النقل من قبل بعض المواقع الإلكترونية التي لا تجد ما تنشره أحياناً، ليتحول هؤلاء لنجوماً لـ "فيسبوك"، حتى أنّ بعضهم بات يتفاخر بعلاقاته وقربه من المسؤولين وقدرته على التأثير في مسار قرارهم، وهذا ما يجعل البعض منهم متسلطين وانتهازيين لا ممارسين لحق الصحفي في ممارسة الرقابة على عمل المؤسسات الرسمية.
وفي الوقت ذاته، فإن وسائل الإعلام الممولة من داعمي "المعارضة السورية" تتلقف منشورات بعضهم لتضرب الدولة السورية بالقول "ناشط موالي"، أو "الشبيح فلان"، ينتقد الحكومة السورية، وعلى الرغم من أنّ القانون يجرم التعاطي غير الموثق مع أيّ معلومة، إلا أن هؤلاء مستمرين في ممارسة نشاطهم السلبي.
الطريف بالأمر أن من بعض هؤلاء من أصبح "إعلامياً"، لا صحفياً وحسب، وحصل بعضهم على وظائف في وسائل إعلام مرموقة، بل إن بعضهم حصل على "ڤيزا"، وعقد عمل في دول أوروبية على الرغم من كون معظم دول العالم لم تعد تمنح السوريين حق الدخول الشرعي لأراضيها، فكيف حصل الأمر، ومن هي الجهة التي مارست دور الوساطة لمنح إقامة عمل لهذا الصحفي أو ذاك النجم الفيسبوكي بعد أن قرر الخروج من البلاد..؟.
بعض هؤلاء النجوم يمارس فجأة هجوماً على رجل أعمال أو مؤسسة ما بدون سابق إنذار، في مقابل دفاع آخرين عن ذات الشخص أو المؤسسة، فيتحول "فيسبوك"، لساحة معركة لتصفية حسابات بين التجار ورجال الأعمال، وبيادق هذه الحرب هم أنفسهم من يفردون صفحاتهم للكتابة عن الشأن العام، فهل يعقل أن دخولهم في هذه المعارك مجاني..؟، ثم ما الذي يمنع الشارع السوري من التمييز بين من يعمل بصدق لخدمة هذه البلاد وتقديم ما يمكن من فائدة للعامة، ومن يعمل من أجل مصلحته الشخصية..؟.
إن نجومية الـ "فيسبوك"، التي تأتي من الاعتراض على أيّ قرار حكومي أو تحويل أي مسألة لـ "تريند"، يجب أن تنتهي بقوة القانون، إذّ من غير المنطقي أن يبقى بعض الأشخاص مؤثرين بشكل سلبي على مسار الحدث في سوريا، ومن غير المعقول أن تكون "شهوة الشهرة"، سبباً لانتهاك خصوصية الآخر، والعبث بمشاعر الناس وتوجهاتهم، مع الإشارة هنا إلى أن ضرورة وجود مؤسسات فاعلة لتعزيز قدرة من يمتلك الشخصية القيادية بشكل فاعل، من خلال إخضاعه لدورات منهجية لكيفية التعامل مع المعلومات وقضايا الرأي العام، وما هي أساساً البنود والشروط الموضوعية لقضية الرأي العام وما هو الفرق بينها وبين "قضايا الشأن العام"، فما يهم الناس في معيشتهم هو "شأن عام"، أما يمس الناس في معتقدهم وأرائهم فتلك قضايا رأي عام، قابلة للاختلاف عليها، لا الخلاف بسببها، إلا أن من يرتزق من خلال "فيسبوك"، بانتهاز الفرص وابتزاز من يتورطون بمسألة ما، سيبقون على سياسة إثارة الزوابع وتعكير الماء، ليكون صيدهم ثميناً في ظل غياب الوعي المجتمعي القادر على التمييز بين الغث والسمين.
المصدر: خاص
شارك المقال: