من وحي أزمة البنزين !
خاص
قبل بدء الحرب على سوريا، كانت الحكومة تعتمد على تصدير النفط الخام، واستيراد المشتقات النفطية لتلبية احتياجات السوق المحلية، لكون مصفاتي "حمص – بانياس"، لا تملكان القدرة على ذلك، وفرضت متغيرات الميدان السوري لصالح دمشق، أن تتجه الولايات المتحدة الأمريكية للتشديد في العقوبات الاقتصادية لتكون بديلاً ضاغطاً على الدولة لتحصيل مكتسبات سياسية تبقي الأزمة في البلاد لأطول فترة ممكنة.
تعتبر مسألة استيراد المشتقات النفطية من العراق أو إيران عبر البرّ مسألة صعبة، ذلك لأن الولايات المتحدة والسعودية تمتلكان ثقلاً مؤثراً داخل الحكومة والبرلمان في بغداد، وبالتالي يمكن لهذا الثقل تعطيل أي اتفاق لتصدير أو مرور المشتقات النفطية إلى سوريا، من خلال التذكير بالعقوبات الأمريكية التي قد تفرض على الحكومة العراقية التي لم تتمكن من التعافي من جملة الحروب التي خاضتها طوال سنوات، وصولاً إلى مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي والحرب على داعش.
وراجت عبر مواقع التواصل الاجتماعي معلومات حول اتفاق الحكومة السورية مع ما يسمى بـ "الإدارة الذاتية"، المعلنة من طرف واحد من قبل "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وحلفاءه في "مجلس سوريا الديمقراطية"، إلا أن هذه المعلومات لا يمكن أن تكون صحيحة لأسباب من أهمها ارتباط "الاتحاد الديمقراطي" الوثيق بـ "حزب العمال الكردستاني"، ما سيعطي هامشاً لحكومة أنقرة تحديداً لتوجيه الاتهام لدمشق بالمشاركة في تمويل تنظيم تعتبره أنقرة إرهابياً، ناهيك عن كون مثل هذا الاتفاق يعني اعتراف الحكومة السورية بمشروعية وجود "الإدارة الذاتية"، كما أن مروجي مثل هذه المعلومات تجاهلوا أن النفط الخام ليس المتسبب بنقص المشتقات النفطية في الأسواق السورية، إضافة إلى السؤال الذي يبحث في "الوطنية" التي تزعمها "قسد"، وكيف تبيح لنفسها سرقة مقدرات الدولة السورية على أساس انفصالي إن لم يكن ضمن مشاريعها كما تزعم، وكيف لها أن تحاول إقناع الشارع السوري بأنها مشروع وطني يضع اللامركزية أداة لإدارة الدولة السورية إن كانت تتعامل مع مقدرات هذه الدولة تعامل العصابات المسلحة التي تسرق وتهرب ما تطاله يدها من ثروات الشعب..؟.
قد يكون الحل بزيادة طاقة عمل المصافي النفطية لتحقيق الاكتفاء الذاتي هو الأفضل، وإن كان الأمر يحتاج لزمن طويل قد لا يسعف الحكومة – ولسنا في معرض التساؤل عن التقصير في مثل هذه الخطوة قبل الحرب -، إلا أن الاستعانة بعملية تكرير نفطي خاصة قد لا تكون فكرة سيئة، وإن كانت "قوات سوريا الديمقراطية"، قد استقدمت "حراقات" تعمل بالطاقة الكهربائية، لتستخرج مشتقات النفط، وتقوم ببيعه في أسواق المحافظات الشرقية، وتهريب الجزء الأكبر نحو المناطق التي تنشتر فيها قوات الاحتلال التركي بريف حلب الشمالي الشرقي كـ "جرابلس"، وهذه الكميات يهرب قسم منها إلى الداخل التركي، كما يباع قسم ليس بالقليل إلى "جبهة النصرة" وحلفائها في ريف محافظة إدلب، لتخديم آلياتها والأسواق التي تسيطر عليها، وهذا يعني أن "قسد"، تسيطر على أسواق "الحسكة – الرقة – مناطق شرق الفرات بريف دير الزور – ريف حلب الشمالي والشرقي – إدلب ومحيطها القريب".
الحصول على مثيل لهذه الحراقات من قبل رجال الأعمال السوريين قد لا يبدو صعباً، من الدول التي تعمل على صناعتها، ويبدو أن هذه المشتقات النفطية شبه آمنة في الأسواق التي تصرف فيها، ومع إضافة الرقابة الحكومية على عملها من قبل مهندسين مختصين، قد يبدو الأمر في صورته الأولى مساعداً على تخفيف أعباء الاستيراد والضغوط الأمريكية على طرق وشركات شحن المشتقات النفطية إلى سوريا، وعليه، يمكن السؤال عن السبب الذي قصرت فيه وزارة النفط في سنوات خلت بتوسيع مصفاتي النفط العاملتين في سوريا، ولماذا لا يوجد بدائل لهما إلى الآن..؟
فكرة الحراقات الكهربائية إن لم تكن فاعلة، فيمكن أن تكون بذرة لفكرة أوسع من قبل مختصي الوزارة، مع الإشارة إلى أن أسعار المشتقات النفطية المكررة بهذه الحراقات رخيصة للغاية في المحافظات الشرقية، فسعر ليتر البنزين في ريف محافظة الحسكة الشمالي لا يصل إلى 100 ليرة سورية، والأمر هنا ليس من باب الترويج لـ "قسد"، وإنما من باب السؤال عن السبب الذي يمنع توسيع دائرة التفكير في مسألة التكرير المحلي للمشتقات النفطية برغم الأزمات المتعاقبة التي عصفت بالسوق السورية..؟
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: