Tuesday April 16, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

مليارات لترميم ذاكرة البشرية وحافظة تراثها الإنساني

مليارات لترميم ذاكرة البشرية وحافظة تراثها الإنساني

 

محمد الواوي

 

"عالم الآثار مشغول بتحليل الحجارة .. إنه يبحث عن عينيه في ردم الأساطير .. لكي يثبت أني: عابر في الدرب لا عينين لي .. لا حرف في سفر الحضارة! " إنها كلمات الشاعر الفلسطيني محمود درويش كانت تكرر بصوته بعد شارة وقبل بداية كل حلقة من المسلسل السوري (ردم الأساطير) . مسلسل يتحدث عن صراع الهوية الثقافية والحضارية في منطقة الشرق الأوسط المضطربة، خاصة الحرب الخفية على الآثار في مرحلة الثمانينات، لكن ما حذر منه المسلسل تجسد على أرض الواقع بشكل أكثر إيلاماً خلال الأزمة السورية الراهنة، فدمرت الأوابد واستخرجت كنوز البلاد على أيد جاهلة لا تميز الحجارة عن الذهب، وشوهت مخالب المعارك الآثمة وجوه أبرز المعالم الأثرية النقية حتى وصلت إلى حد التشويه الكامل، كما حدث في حلب وغيرها، والسؤال الذي يدور في أذهان كل المهتمين، من يعيد ترميم الأوابد والمعالم الموجودة إذا كانت تكلفتها المادية فقط تقدر بالمليارات؟

 

التلال الأثرية غير قابلة للإصلاح

 

يؤكد المهندس أيمن هاموك مدير الهندسة والترميم في المديرية العامة للآثار والمتاحف في لقاء مع "جريدتنا" أن الأضرار التي لحقت بالتراث وطالت التراث المبني والمتاحف والتلال الأثرية خلال الأزمة كانت متنوعة من حيث شدتها ومجالها ونوعيتها، فمنها البسيط القابل للإصلاح ومنها المتوسط والشديد الذي يمكن إعادة بنائه جزئياً أو كلياً، لكنه سيكون قد فقد جزءاً كبيراً من أصالته ومنها الغير قابل للإصلاح كالتلال الأثرية التي تم تخريبها بشكل متعمد أو من خلال التنقيبات الواسعة غير الشرعية أو تلك القطع المتحفية التي تم تخريبها بشكل همجي أو غيرها مما تم تهريبه خارج البلد ولا يوجد له أي تسجيل أو توثيق ممكن المتابعة من خلاله ليتم استرداده.

 

يصف المهندس هاموك التراث السوري بأنه إنساني أو عالمي لأنه يشكل جزء من ذاكرة البشرية ولبنة في بنائها والذي تشكل عبر آلاف السنين، ساهمت في تخريبه دول عديدة وبأشكال متنوعة عبر دعم التنقيب غير الشرعي وتسهيل تهريبه خارج سوريا وتيسير بيعه.

 

يقول هاموك "إن مهمة صيانة هذا التراث لا تتحملها الحكومة السورية لوحدها نتيجة لما تقدم ولكن يجب أن تساهم فيها المنظمات الدولية ذات الصلة والمجتمع الدولي، لكن هذه المساهمات حتى الآن متواضعة ففي سنوات الأزمة اقتصرت على حضور منظمة اليونسكو وكان اهتمامها بشكل أساسي على موضوع التدريب والتوثيق لبعض المواقع ومشروع ترميم طارئ وبسيط في قلعة حلب، و كان هناك دعم UNDP بتمويل ياباني تناول في العامين الماضيين موضوع التدريب وتقديم تجهيزات هندسية تخص التوثيق وفي العام الماضي قدمت تمويل لمتحف حلب, لكن ما زال التمويل الحكومي يتحمل العبء الأكبر في هذا الموضوع رغم الموارد المالية القليلة المتاحة، وانخفاض القيمة الحقيقية لموازنة المديرية العامة للآثار مقارنة بما كان متاحاً قبل الأزمة.

 

%50 نسبة الأضرار في معلولا

 

يصرح مدير الهندسة والترميم أن الأضرار في مدينة دمشق بسيطة لا تذكر. كذلك فإن أضرار مدينة ريف دمشق  لا تزيد نسبتها عن 5%، وتحتاج إلى أعمال ترميم وصيانة تقوم المديرية العامة للآثار بالعمل فيها حالياَ في مواقع مثل معبد الضمير و خان الشيح و مبنى السرايا في مدينة النبك باستثناء مدينة معلولا التي وصلت نسبة الأضرار فيها إلى 50 % للمباني التراثية التي تعود ملكيتها للأهالي وللوقف، حيث ساهمت منظمة UNDP بتنظيف المدينة من الأنقاض وببعض مشاريع البنى التحتية بالتعاون مع محافظة ريف دمشق والمديرية العامة للآثار.

 

ويبين المهندس هاموك أن الأضرار في مدينة حمص متوسطة وتبلغ 10% للمباني التي تملكها المديرية العامة للآثار، حيث قامت بصيانة وإعادة تأهيل مبنى دائرة الآثار فيها والتي تضم متحف حمص و يحتاج هذا المشروع إلى إكمال وقامت بصيانة طارئة لمبنى قصر الزهراوي وهو بحاجة إلى إكمال وهناك دار مفيد الأمين تحتاج إل مشروع ترميم لم يتم البدء فيه, لكن تم تنفيذ بعض الترميمات الطارئة في قلعة الحصن. حيث عملت منظمة UNDP بالتعاون مع محافظة حمص والمديرية العامة للآثار بتنظيف المدينة القديمة من الأنقاض ونفذت مشروع ترميم وتأهيل لأسواق المدينة القديمة. أما بالنسبة للمباني التراثية ذات الملكية الخاصة فقد بلغت الأضرار ما نسبته 20% وموضوع صيانتها يتعلق بمالكيها.

 

وعود من جهات دولية للترميم

 

يرى المهندس هاموك أن أضرار مدينة حماة التي لحقت بالتراث المبني بسيطة عموماً للمناطق التي عادت لسيطرة الدولة، ويوجد لدى مديرية الآثار مشروع ترميم لمدخل قلعة شيزر سينفذ هذا العام، أما المناطق التي خارج السيطرة مثل مدينة أفاميا و قلعة المضيق، فلا تتوفر معلومات دقيقة عن الضرر الذي وقع بها. في حين  يصعب تقدير الضرر الحاصل في مدينة إدلب ونسبته بسبب استحالة الوصول إليها حالياً.

 

آثار حلب مذبح سوريا الكبير

 

وتقدر نسبة الأضرار في مدينة حلب للمباني التي تملكها المديرية العامة للآثار والمتحف بشكل عام حوالي 60% وتقدر كلفة ترميمها وإعادة تأهيلها بحوالي 1,5 مليار ليرة سورية، بحسب ما يعلنه المهندس هاموك، حيث قامت المديرية العامة للأثار ببعض الترميمات الطارئة في قلعة حلب مع وجود مشروع لترميم طارئ سينفذ في دار غزالة، كما تم إعادة تأهيل مبنى مديرية آثار حلب لتأمين مكان عمل مناسب للقائمين على الأعمال. حيث مولت منظمة UNDP مشروعاً في المتحف لإعادة افتتاح بعض قاعات العرض بكلفة 100 مليون ل.س. أما نسبة الضرر في المدينة القديمة يمكن تقديرها بشكل عام بحدود 50% و التي تضم الأسواق و الحمامات و الخانات والمساجد و الكنائس و المدارس والزوايا و البيوت السكنية والتي تعود ملكية معظمها إلى الأوقاف ومواطنين وجهات أخرى في الدولة, حيث يتم ترميم وإعادة تأهيل الجامع الأموي بمساعدة من جمهورية الشيشان ومازال العمل مستمراً فيه ويتم ترميم سوق السقطية بتمويل من مؤسسة الآغا خان للخدمات الثقافية, وهناك جهات محلية تحاول أن تسهم في إعادة البناء مثل مبادرة أهالي حلب التي قامت بأعمال عديدة منها مشروع ترميم ساعة باب الفرج و ومشروع إنارة قلعة حلب وتقوم مديرية الأوقاف بدعم من متبرعين بأعمال جيدة لترميم المساجد, لكن إعادة إعمار مدينة حلب القديمة يتطلب أموال ضخمة ودعماً دولياً من أجل مساعدة الأهالي بطريقة لترميم محلاتهم التجارية و أسواقهم والمنازل. ولا شك أن هناك وعود كثيرة وجهات ترغب في المساعدة، لكنها تبقى دون المأمول مع ضخامة الضرر الحاصل.

 

من جهة أخرى يشدد المهندس هاموك بأنه لا يوجد إحصاء لحجم الضرر ونسبته وتكاليفه المتوقعة لمدينة دير الزور، لأن الوصول إليها ما زال غير متاحاً، خاصة وأن مواقعها الأشهر في الريف البعيد عن المدينة لكن توجد أضرار متوسطة في المتحف. كذلك  لا يوجد إحصاء لحجم الضرر ونسبته وتكاليفه المتوقعة في مدينة الرقة لنسب السبب السابق.

 

وبالانتقال إلى مدينة الحسكة يضيف المهندس هاموك "إن المباني التراثية قليلة و لا أضرار فيها تذكر. في حين لا تتجاوز نسبة الضرر في مباني مدينتي درعا وبصرى التراثية  5% نتيجة الأزمة وتبلغ كلفة الترميم حوالي 150 مليون ليرة وستقوم المديرية العامة للآثار بتنفيذ مشاريع في هذا العام لترميم الأضرار في مدرج بصرى الأثري, وترميم طارئ للجامع العمري في مدينة إزرع بتمويل مشترك مع وزارة الأوقاف.

 

ويكمل أيمن هاموك مدير الهندسة والترميم في المديرية العامة للآثار والمتاحف "اهتمت المديرية العامة للآثار في المحافظات الأخرى التي لم تتأثر المباني التراثية، نتيجة للأزمة فكانت هناك عدة مشاريع في مدينة السويداء مثل مشروع ترميم برج قنوات بكلفة بلغت حوالي 60 مليون ليرة و يوجد مشروع لإعادة تأهيل صرح الثورة السورية الكبرى بتكلفة تقدر 200 مليون ليرة سورية سيتم تنفيذه هذا العام, ومشروع ترميم قلعة صلاح الدين في اللاذقية ومشروع ترميم مدرج جبلة الأثري ومشروع ترميم قلعة الخوابي في مدينة طرطوس". 

 

 

من الواضح أن التكلفة المادية لترميم آثار سوريا قابلة للارتفاع الكبير خلال الفترة القادمة، خاصة أن محافظة إدلب التي تضم جزءاً مهماً من المعالم الأثرية ومناطق أخرى ما زال يصعب الكشف عنها بانتظار أن تضع الحرب أوزارها وتنجلي ظلمات الليل.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: