Monday May 20, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

مهنة العصر

مهنة العصر

حسن عيسى

هي لعنة الحرب التي سُكبت بين ليلة وضحاها في أقدم عواصم العالم؛ كيف لا وأهم مخلفات الحرب الفقر والتشرد  اللذان يؤديان بشكل أو بأخر للتسول، لعلها أولى آثار ما بعد الحرب وأكثرها فظاعةً، حيث ما إن تطأ قدماك أرض مدينة الياسمين حتى يلاحقونك طالبين العون ولو بخمس ليرات سورية فقط، إنهم رواد هذه المهنة وأصحابها.

التسول الذي بات سمةً من سمات شوارع العاصمة لا يزال عدد العاملين به في ازدياد، في ظل وضعٍ اقتصادي أرهق قلوب المئات من الأسر التي عادت لمنازلها مؤخراً في ضواحي العاصمة والتي فقدت ممتلكاتها ولم يبق لها سوى بضع جدران وسقف توتيائي ليأويها، دون عمل أو دون أي مردود مادي يحقق لهم مستوى معيشي مقبول كحد أدنى، ما دفع العديد منها للعمل في هذه المهنة لمرحلة أن بعضهم قد أتقنها.

إن أردت السياحة ضمن الأماكن المميزة في العاصمة (الحميدية، الصالحية، باب توما، .....) فإن أول ما تلتقطه أعينك هو عدد الأطفال المشردين الذين لا يكفون عن معارضة كل من تراه أعينهم وطلب المال منه، عبر استعطافه بالبكاء والصراخ وسرد القصص والظروف المؤلمة التي يمرون بها، قد يستهزء بهم البعض ويرميهم بعيداً لكن أغلب الناس يقدمون لهم المساعدة المادية حتى لو كانت قليلة، الشيء الذي جعل هذه المهنة تعجبهم وتلهيهم عن مشاغل أخرى كفيلة بتحسين وضغهم المادي أو على الأقل الحصول على لقمة عيشهم كما يدعون.

هاشم ابن السبع سنوات طفل من دير الزور هاجر مع أمه وأخويه إلى دمشق هرباً من تنظيم داعش بعد أن قتل والده على أيديهم، وهو يتسول ليصرف على أهله القاطنين في إحدى حدائق دمشق، يقول: تركت المدرسة كي أستطيع أن أعمل وأصرف على أمي وأخوتي لكن أحداً لم يرض أن يشغلني عنده فاضطررت للتسول من أجل الحصول على لقمة عيش لأمي وأخوتي الصغار، وفي أروقة العاصمة هناك المئات من أمثال هاشم الذين أرغمتهم ظروف الحرب على مثل هكذا عمل.

لكن ومن منظور آخر لهذه الظاهرة تجد شبان ورجال قادرين يمارسون المهنة منذ سنوات على الرغم من كثرة فرص العمل التي تقدمها الشركات الخاصة ضمن العاصمة، ووجود أعمال حرة متنوعة تغني عن هذه المهنة، النساء أيضاً لها نصيب في ذلك فهنالك العديد منهن يحترفن هذه المهنة حتى أن البعض منهن أصبح مشهوراً ومعروفاً لدى الكثيرين، ويقول "علي حسن" شاب يعمل في إحدى البسطات: كل يوم ومع طلوع الشمس تأتي إلي امرأة متسولة وفي جعبتها حوالي 4000 ل.س من فئة العملات المعدنية كي أبدلها لها بعملات ورقية ذات قيمة أعلى، وهي دائماً ما تشكو من أن غلّتها ناقصة عن اليوم السابق، أي أن البعض من هؤلاء المتسولين فقد قناعته بما يجنيه من أموال الناس.

من أكبر سلبيات هذه الظاهرة هي أنه وبسببها قد تراجعت السياحة الدينية على حد قول أحد المعنيين بهذا الشأن من أعضاء مجلس الشعب في إحدى جلساته، حيث أن ما يقوم به الأطفال المتسولين عند الجامع الأموي وعند المقامات المقدسة التي يقصدها الكثير من شعوب البلدان الأخرى؛ تدفع السياح لعدم القدوم مرة أخرى وأخذ نظرة سلبية عن مجتمعات تحوي مثل هكذا مقامات.

الغريب في كل ما سبق هو غفل الحكومة عن ظواهر كهذه، وإن أبعدنا المسؤولية قليلاً عن الحكومة فهنالك المئات من الجمعيات الخيرية التي تقدم آلاف الوعود من أجل الحصول على رخصة لعملها وفي النهاية لا تلتفت لحل مثل هكذا ظواهر أصبحت اليوم مهنة من ليس لديه مهنة.

المصدر: خاص

شارك المقال: