Saturday April 19, 2025     
00
:
00
:
00
  • Street journal

محاولات فاشلة للحد من ظاهرة التسول!

محاولات فاشلة للحد من ظاهرة التسول!

حبيب شحادة

 

يرتدي المتسولون عادةً ثياب أو ملابس رثة مُهترئة لفتاً للنظر، ويتخذون جوانب الطرقات في محاولة منهم لاستجلاء عطف المارة قد يكون بعضهم بحاجة مادية فعلاً، إلا أنّ المشهد العام لهؤلاء المتسولين أصبح لا يوحي بذلك، وإنّما يعكس حقيقة امتهان التسول كمهنة مُريحة ومُربحة في نفس الوقت، بدل عناء ومشقات العمل للحصول على لقمة العيش.

أين ما اتجهت في دمشق وشوارعها يحاصرك أطفال ونساء وشيوخ بكلمات مُنمقة ومدروسة وبحالةً تثير الشفقة لاستدار عطفك عبر مقولات من قبيل، "أريد حق دوا لابني"، أو حق "ربطة خبز" أو "أجرة طريق". وغيرها الكثير من المقولات التي حفظوها عن ظهر قلب كمفتاح لمهنة التسول التي أصبحت ظاهرة في ظل الأزمة/الحرب. 

منع التسول ليس من مهام وزارة الشؤون فقط!

إزاء هذه الظاهرة صرحت "ميساء ميداني" مديرة الخدمات الاجتماعية في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل لجريدتنا، "بأنّ التصدي لهذه الظاهرة لا يخص وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل وحدها، لذلك تم تشكيل لجنة بالقرار رقم /39/ لعام 2016 برئاسة وزير الشؤون الاجتماعية وعضوية كل من وزارة (الداخلية- العدل- التربية- الصحة- الأوقاف- الإعلام- التعليم العالي- الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان) كإطار عمل مشترك عبر وزاري لتنسيق العمل والجهد للحد من هذه الظاهرة ومعالجة أثارها".

في زاوية محددة من منطقة باب سريجة تداوم أم عباد (ليس اسمها الحقيقي) بشكل يومي لبيع البسكويت والعلكة، وترفض أخذ المال بدون مقابل، وتقول لجريدتنا إنّها لا تمارس مهنة الشحادة، وإنّما ظروف الحياة وصعوبتها دفعتها لبيع البسكويت والعلكة على قارعة الطريق، بعد أن كانت تعيش في منزلها الذي هُجرت منه في إحدى مناطق ريف دمشق.

حالة أم عباد لا يمكن تعميمها على الكثير من الحالات الموجودة في شوارع دمشق، والتي تناقض حالتها، حيث هناك الكثير من النساء والفتيات ممن يحاولن التستر تحت ستار الباعة الجوالين لممارسة مهنة الشحادة.

وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بالتعاون مع غيرها من الجهات في محاولة منها للحد من هذه الظاهرة المنفلتة بشكل كبير، قامت بتفعيل مكاتب التسول في المحافظات باعتبارها تشكل أدوات عمل وآلية عملية لتطويق الظاهرة وضبط حالاتها. وفقاً لميداني، التي أضافت أنّ المكاتب تم تفعيلها في محافظات (حمص- حماه- طرطوس- القنيطرة- حلب- اللاذقية- السويداء- دير الزور- الحسكة).

أما في محافظة دمشق، فقالت ميداني، إنّه "تم تشكيل فريق تطوعي يغطي دمشق وريفها، ويقوم بجولات ميدانية في الطرقات لرصد وتقصي الحالات المتواجدة فيها". كما تم افتتاح مركزين لاستضافة الأطفال المتسولين والمتشردين في قدسيا وباب مصلى يتبعان لجمعية حقوق الطفل، وتحت إشراف وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل.

لا إحصائيات لأعداد المتسولين

رغم انتشار الظاهرة بشكل مُلفت للنظر، إلا أنّه لا توجد إحصائيات دقيقة تكشف أعداد المتسولين في الشوارع السورية، ليبقى دور وزارة الشؤون الاجتماعية منحصر في حصر الضبوط التي تأتيها من خلال الدوريات التي تلقي القبض على بعض المتسولين في بعض الأحيان، تقول، ميداني، "يصلنا شهرياً تقارير لعمل مكاتب التسول، وكذلك تقارير مُفصلة لعدد حالات التسول والعمر والجنس والأسباب الدافعة للتسول"، مضيفةً أنّ الوزارة تعمل على القيام بتحليل احصائي لهذه الأعداد". 

دور الرعاية الاجتماعية

على جانب أخر هناك دور الرعاية الاجتماعية التي تقوم بتوفير الخدمات بداخلها للمتسولين، من قبيل التعليم والصحة، وإيجاد فرص عمل مناسبة لتشغيلهم ومنعهم من العودة لممارسة مهنة التسول.

يقول "مأمون قويدر"، مدير العلاقات العامة في جمعية حفظ النعمة، لجريدتنا، إنّ "هناك مركز من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في منطقة الكسوة خصص لاستضافة كافة المتسولين لتوفير الحياة الكريمة لهم، ورغم ذلك نجد أنّ أعداد كبيرة منهم تحاول الهروب منه إلى الشارع مجدداً لامتهان التسول". مضيفاً أنّه رغم تجهيز المركز بشكل جيد لناحية توفر كافة الخدمات ووجود حدائق مصممة بشكل جميل والآسرة المرتبة والمنسقة، إلا أنّ المتسولين يرفضون البقاء فيه. 

استراتيجية عبر وزارية لمكافحة الظاهرة

كما عمدت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، لوضع برنامج لمكافحة التسول ضمن استراتيجية عبر وزارية، يتضمن بناء نظام إدارة الحالة لحماية الأفراد المتسولين من المهمشين والمعنفين، ومتابعة إحداث مراكز ضيافة لاستقبال الأطفال والمسنين والنساء وإنجاز الخطة الوطنية لحماية الأطفال من التسول.

جدير ذكره أيضاً أنّ وزارة الشؤون سعت بالتعاون مع وزارة العدل لتعديل القانون رقم 16 لعام 1975 الخاص بتشغيل المتسولين والمتشردين، بما يلبي متطلبات الحد من تفاقم ظاهرة التسول، وذلك لناحية تشديد العقوبات والغرامات على من يقوم بتشغيل من هم دون سن الثامنة عشر في مهنة التسول. كما تم تفريغ قاضي خاص للنظر بقضايا المتسولين. 

التسول باقً ويتمدد

لكن رغم كل هذه الإجراءات المتخذة من قبل وزارة الشؤون وغيرها من الجهات ذات العلاقة بموضوع التسول، إلا أنّ ذلك لم يحد من هذه الظاهرة، حيث ما زال المتسولين في الشوارع، وعلى إشارات المرور، وعلى أطراف الحدائق يمارسون التسول وعلى أعين الناس والأجهزة المختصة، ضمن شبكات منظمة تمارس مهنة التسول، حيث صرح لجريدتنا، أحد أصحاب المحلات بالبرامكة، بأنّه يومياً يأخذ ما يقارب ال 10000 ليرة سورية(فراطة) من طفل وطفلة متسولين، ويعطيهم ال 10000 ل. س كقطع من فئة الألف ليرة.

تبقى مشكلة التسول قائمة ومُستمرة، طالما أنّ هناك سياسات غير ناجحة للحد والتخفيف من أثارها النفسية والاجتماعية على القائمين بفعل التسول من جهة، وعلى بنية المجتمع لجهة ثانية. ظاهرة قديمة ولكنها استفحلت بعفل الحرب في ظل عجز أغلب مؤسسات الدولة عن تطويقها، ما أدى لتحولها لمهنة تُمارس بكل حرية تحت مسميات مختلفة.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: