ما بين الماضي والحاضر حياة السوريين أبعد ما تكون عن العراقة ؟!
نور ملحم
أسواق مكتظة، شوارع تضج بالحياة، أطفال يتراكضون في الساحات، تزاحم في المطاعم، وطلاب جامعات ومدارس، «هكذا تبدو دمشق منذ سنوات، عجيبة بمنطقها المقاوم، سنوات من الحربِ لم تسلبها مظهر الحياة، ولا زالت تتثاقل على عكاز من الأمل».
ربما تبدو الحياة طبيعية للناظر من بعيد، لكن الحقيقة معاكسة لذلك تماماً دمشق اليوم مرهقة، تعبق فيها رائحة الجوع والفقر، أهاليها بالكاد يرشفون طعم الحياة، تسمع في الشوارع أحاديثهم التي باتت تقتصر على غلاء المعيشة وصعوبة الحال والعجز أمام متطلبات الحياة.
الضائقة المالية ليست جديدة على السوريين، فقد نهشت منهم ما نهشته طوال سنوات الحرب، وتلاحقت على أكتافهم الأزمات واحدة تلو الأخرى، حتى تعود هذا الكف على اللطم ولفهم ضخامة الأسعار بلغة الأرقام يكفي أن نذكر أن متوسط راتب موظف حكومي جامعي يصل في أحسن أحواله إلى 60 ألف ليرة سورية، أي إنه يعادل 3 كيلوغرامات فقط من لحم الغنم.
أيّ متجول في شوارعها اليوم يقرأ في الوجوه المتعبة ، وأزمات متلاحقة بين أزمة غذاء و محروقات و أدوية، أثقلت كاهل أغناهم، يهربون من أي حديث تتلاقى فيه الأعين.
القطاعات الخدمية أيضاً تعاني مشاكل جمة، فالكهرباء والمياه تقطعان لفترات طويلة وأحياناً لأيام متتالية في بعض الأحياء، وفي أحسن الأحوال يتم قطعه 3 ساعات كل 3 ساعات! أي إننا نتمتع بالكهرباء يومياً لمدة 12 ساعة غير متواصلة، وهو حال أفضل بكثير مما كان عليه قبل عامٍ مثلاً، حين كان الانقطاع يستمر لأكثر من 5 ساعات متواصلة، مما يجعل مهمة تدفئة المنزل شبه مستحيلة، هذا في حال توفرت وسيلة التدفئة أصلاً ومع الازدياد الكبير في عدد السكان والناجم عن نزوح معظم أهالي الريف إلى المدينة فرض واقعاً جديداً تمثل في ازدحام وسائل النقل وصعوبة العثور على مسكن وعمل ملائمين.
ما بين ليل ونها السوريين هناك مشردون وتائهون يحتمون بالضوء مخافة الضياع أو العدم، وعمال وموظفون عائدون إلى بيوتهم بربطات خبز شعبية وخضار ذابلة، مراجعون خائبون من معاملات لم تنجز وخاسرة بامتياز... ومشيعون لموتاهم وللحياة أو لأمل واهم بالنجاة أو بتبدل طفيف لحال من أحوالهم.
وبين تراشق المسؤوليات، وواقع صعب، وانفصال الحكومة عن الواقع، يعيش السوري اليوم في دمشق، العاصمة العريقة، حياة أبعد ما تكون عن العراقة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: