ما بعد «خان شيخون» ليس كما قبلها

محمد نادر العمري
يبدو أن المقاربات السائدة في الشمال السوري وبخاصة مدينة "إدلب"، بدأت تعاد هندستها ميدانياً وفق التوجهات العسكرية لـ"الجيش السوري"، وأن المعارك التي احتدمت خلال الفترة الماضية، التي أدت إلى تحرير ما يقارب من 55 قرية وبلدة بمساحة تتجاوز 420كم لن تتوقف بل سيكون لها تأثيرات وارتدادت على المنحين العسكري والسياسي وبخاصة بعد إحكام الطوق الذي يفرضه "الجيش السوري" على مدينة "خان شيخون" بهدف فصل الجنوب الإدلبي عن الشمال الحموي بما يسمح بقطع الإمدادات عن مسلحي "النصرة"، وغيرهم من التنظيمات في مساحة تتجاوز 400 كم، وهو ما سيدفع هذه التنظيمات أمام مصير واحد من اثنين لاثالث لهما: "أما الموت أو التسليم".
ويبقى السؤال المطروح اليوم هل سيتوقف "الجيش السوري" عند "خان شيخون"، ويكتفي باستعادة الطريق الدولية الواصلة بين "حلب" و"دمشق" مروراً بـ"حماة"...؟ وهل "تركيا" ستبقى مكتوفية الأيدي؟
في الإجابة على السؤال الأول تبدو الفكرة المتداولة عن السعي السوري لتطبيق تفاهمات "أستانا" بالنار أو التوغل لمسافة عشرين كيلو متراً بهدف السيطرة على الطريق الدولي "دمشق حلب"، أو "أريحا اللاذقية" غير منطقي من الواقع الميداني، فالسيطرة على الأوتستراد الدولي تحتاج لعمق أكثر من عشرين كيلو متراً، كما أنها لا تتم فقط بالسيطرة على "خان شيخون" أو حتى "مورك"، هي عملياً بحاجة للسيطرة على مناطق لا تقل أهمية عن سابقاتها كـ"معرة النعمان" و"سراقب"، وما يعنيه عملياً استعادة وتحرير تلك الكتل الوازنة من تجمعات المسلحين التي هي أداة "أنقرة"، لتصبح معها الريف الشمالي انطلاقاً من "خان العسل" وصولاً للحدود التركية تحصيل حاصل.
أما من الجهة لغربية فإن السيطرة على الطريق الدولي المار بـ"أريحا" يتطلب الكثير من العمل للسيطرة على المناطق الممتدة من "جبل الأربعين" المشرف على "أريحا" وصولاً إلى ما بعد "جسر الشغور"، والذي بدأ بالعمل عليه من إطلاق معركة "الكبينه" بريف اللاذقية.
على هذا الأساس يبدو السعي للسيطرة على هذه المسافات الشاسعة والوعرة، ستكون أكثر من منظور "سوتشي".
أما الإجابة عن السؤال الثاني يتضمن أمرين أن "تركيا" التي استمرت على مدى السنوات السابقة تحاول الحفاظ على المجموعات المسلحة لن تتخلى عنهم بالسهولة التي يصفها البعض ولن تقدم بالتضحية بهم ليس إنطلاقاً من كونهم يعتبرون أذرع عسكرية لها تمثل مصالحها، بل خشية على أمنها القومي.
فسكوت "تركيا" وعدم دعمها لهذه التنظيمات المسلحة سيؤدي إلى تهاوي صفوفهم الأمر الذي قد يقود هذه التنظيمات للهرب نحو العمق التركي والبحث عن مؤيدين وبيئات مناسبة لهم للقيام بعمليات انتقامية في العمق التركي.
لذلك فأن ما حصل في الأمس من محاولة إرسال رتل عسكري يقرأ في أكثر من اتجاه:
أولاً: مسعى تركيا لتغير نقاط "أستانا" بالقوة العسكرة من خلال إعادة نشر نقاط المراقبة وفق مصالحها وليس وفق ماهو متفق عليه.
ثانياً: محاولة تركيا وقف زحف الجيش السوري باتجاه خان شيخون وإبقاء خط الإمداد قائم باتجاه المسلحين في شمال ريف حماة.
ثالثاً: محاولة رفع المعنويات المسلحين وحمايتهم وعدم السماح لهم للاستلام وبخاصة ان تركي كان يعتقد أن توجه رتله نحو مورك سيكون ميسراً ولن تقوم القوات السورية أو الروسية باستهدافه سواء عبر مروره أو وصوله، الأمر الذي يدفعه لتحويل نقاط مراقبته لمناطق آمنة لحماية المسلحين وتخبئة أسلحتهم الثقيلة.
بيان الخارجية السورية في الأمس وقيام سلاح الجو السوري باستهداف الرتل، لايعني أن اشتباكاً عسكرياً يروح في الأفق مابين دمشق وأنقرة ولكنه في ذات الوقت يمكن اعتباره رسالة تحذيرية بتوقيت هام يحمل عدد من المدلولات:
1- جاء بعد أيام من إعلان التوصل لإقامة المنطقة الآمنة بين التركي والأمريكي.
2- كما أنه يستبق الاجتماع الثلاثي بين زعماء أستانا الشهر المقبل وهذا السلوك قد يكون مقدمة للغة شديدة الحزم قد يسمعها أردوغان من قبل قادة روسيا وإيران.
3- يبدو أن موسكو ليست بعيدة تماماً عن تشجيع قيام السلاح الجوي السوري باستهداف الرتل ومنع تقدم، وهذا مبني على مؤشرين: الأول استمرار تعرض قاعدتها حميميم لاستهداف من التنظيمات الإرهابية وأرادت توجيه رسالة قوية للتركي، والثاني مضمون كلام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في تصريح صحفي مع نظيره الفرنس يوم امس بقوله: «نحن ندعم جهود الجيش السوري في العمليات التي ينفذها من أجل القضاء على التهديدات "الإرهابية" في إدلب، التي كان تسيطر جبهة النصرة على 50% من مساحتها عند توقيع سوتشي واليوم تسيطر على 90%»، وهذا يشير لاتهام ضمني لتركيا باعتبارها ضامن للمسلحين.
من المؤكد أن بعد تحرير "خان شيخون" ليس كما قبلها، لأن التنظيمات المسلحة ستفقد أهم موارد قوتها سواء وبخاصة الاقتصادية وستكون في حالة منخفض من المعنويات والآمال وستزداد حالة تبادل الاتهامات الذي قد ينبأ بحدوث انقسامات وانشقاقات بين هذه التنظيمات.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: