Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

لا سلطة.. إلّا على السلطة الرابعة

لا سلطة.. إلّا على السلطة الرابعة

المنتصر بالله العاري

من بين تصنيفٍ مؤلف من 180 دولة، حققت "سوريا" إنجازاً جديداً بحصولها على المركز الرابع عالمياً على مؤشر حرية الصحافة لعام 2018 وفقاً للتقرير السنوي لمنظّمة "مراسلون بلا حدود".

ولأن مبدأ حرية الصحافة الذي كنّا نقرأ عنه كثيراً ونسمعه على ألسنة المنظّرين يسير إلى الأمام عكسياً، فإننا تعمّدنا أن نذكر التصنيف الجديد الذي حصلت عليه سوريا عكسيّاً ايضاً، أي أنها في حقيقة الأمر جاءت في المركز الأخير عربياً والـ 177 عالمياً، لا ينازعها على الفوز باللقب سوى "كوريا الشمالية وتركمانستان".

"رضا الباشا"، هو صحفي سوري ومراسل لقناة تلفزيونية عربية، يعرِفه السوريون حق المعرفة، ساهم بشكل كبير مع مؤسسته التي يعمل بها في ردّ الحملة الإعلامية التي رافقت هجوم تنظيم "جبهة النصرة" على مدينة "حلب"، وكان مصدر المعلومات الأول لكثير من السوريين.

كان "الباشا" قد سمع بمقولةٍ ذائعة الصيت في بلاده، تصِف الصحافة بأنها "السلطة الرابعة"، فقرر ممارسة سلطته هذه عندما رأى زملاءه في المهنة آثروا على أنفسهم اتباع سياسة النأي بالنفس، والاختباء خلف الأصابع .

لم يكد "الباشا" يبدأ ممارسة واجبه كصحفي ويسلط الضوء على عمليات السلب والنهب وتجارة الترفيق في مدينة "حلب" وريفها العام الماضي، وما ألحقته من تعدّ على حقوق المواطنين وإساءة إلى الدولة السورية، حتّى جاء التدخّل سريعاً من وزارة الإعلام ، "المعني الأول بحماية الصحفيين" بقرار غريب يمنع "الباشا" من ممارسة مهنته على الأراضي السورية بسبب "مخالفته القوانين الإعلامية" ودون أن يُذكر أي تفاصيل عن تلك القوانين التي خالفها، وهو ما اضطرّه إلى مغادرة الأراضي السورية للعمل في مقرّ قناة "الميادين" في العاصمة بيروت، فالصحفي من وجهة نظر وزارة الإعلام السورية حرٌّ في كل شيء إلا ممارسة مهنة الصحافة!

ومنذ ذلك الوقت بدأت "السلطة الرابعة" كما يحلو للبعض وصفها، تترنّح من كثرة الخطوط الحمراء التي تُرسم حول مجال عمل المهنة، التي لم يكن آخرها اعتقال الصحفي "عامر دراو" على ذمّة التحقيق منذ أكثر من ثلاثة أشهر وإلى الآن على خلفيّة شكوى مقدمة ضده من مسؤول في حزب البعث بتهم منها "وهن عزيمة الأمة"!، وكذلك محاولة إغلاق مقرّ صحيفة "الأيام" بالشمع الأحمر بذريعة عدم تسوية مقر الجريدة من سكني إلى فكري، والقائمة تطول.

أمّا "رضا الباشا" فلم يَسلم ثانية من الملاحقة، إذ صدرت بحقه قبل مدّة مذكّرة اعتقال، وتمّت على إثرها مداهمة بيته ليلاً على خلفيّة انتقاده الطريقة التي تمّت بها الانتخابات البلدية في بعض مناطق ريف "حلب" باعتمادها إصدار قوائم مغلقة، وهو ما دَعى مسؤولاً حزبياً في "حلب" إلى التقدم بمعروض باستصدار مذكرة اعتقال بحقه.

ولا عجب في ذلك، فمهنة الصحافة صارت في "سوريا" باباً مفتوحاً لكلّ من سوّلت له نفسه تقمّص الدور "مهندساً كان أم غير مُتعلّم" لا مشكلة في ذلك، فقط شريطة أن يكون موضوعياً من وجهة نظر وزارة الإعلام فلا يشير بنقدٍ إلى مشكلة هنا أو فساد هناك، وإلا فإنه يعدّ مجرماً يخالف قانون الإعلام السوري، ويُحرم من ممارسة عمله وربّما يُصار إلى اعتقاله.

أما على من يريد أن يحافظ على جوهر عمل الصحافة فما عليه إلا أن يستعدّ لاستقبال النوائب، أو أن يتقدّم لخصومه بصفقة تنجيه من هاجس الاعتقال مفادها: "توقفوا عن قول الأكاذيب عني حتى أتوقف عن قول الحقيقة عنكم".

بواسطة :

شارك المقال: