لا قانون في سوريا لمنع التسول !
نور ملحم
بدت عليه مظاهر التردد، عندما طلبت منه الجلوس ليتناول قطعة كرواسان حاملاً كيساً مملوءاً بعلب البسكويت، يبيعها مقابل سعر خمسين ليرة سورية لا أكثر، حسب كرم زبون المطعم أو أي شخص من المارة في الطرق، وفور جلوسه على الطاولة قال: اشترِ مني بسكويت؟
هو واحد من مئات الأطفال في سوريا ممن يمتهنون التسول أو يجوبون الطرق ليبيعوا أشياء بسيطة، فالتسول أصبح أمراً مألوفاً في دمشق، تجدهم على أبواب المقاهي والمطاعم ومن يمتلك الجرأة منهم يستطيع الدخول لعدة دقائق قبل أن يطرده القائمون على العمل لمنعه من مضايقة الزبائن، كذلك تراهم يجوبون الحدائق العامة والشوارع، بمعدل سبع إلى تسع ساعات من التسول المتواصل يومياً.
بذلت جهداً كبيراً لإقناع عبد القادر (تسع سنوات ) بالجلوس والحديث عندما دخل المطعم، إذ كنت بانتظار طفل ما يدخل ليبيع أي شيء، لم يكن راغباً في الحديث إلي، ولكنه كان مصمماً على بيع أكثر عدد ممكن من علب البسكويت.
حاول ببراءة أن يخدعني بشأن اسمه، عندما علم أنني صحافية: "قولي إن اسمي عبد" أخبرته أنني سأكتب عنه باسمه المستعار الذي يختاره هو ووافق بصعوبة.
يقول عبد : إنه من محافظة الرقة، ودرس حتى الصف الثاني الابتدائي، قبل أن يخرج من المدرسة ليعمل في بيع البسكويت له ثلاثة أخوة، أختان وأخ، أكبرهم سناً يبلغ من العمر 15 عاماً، وهو يبحث عن عمل بعد أن قرر ترك الشارع.
يتابع: "أعمل منذ نحو الساعة الثامنة صباحاً حتى العاشرة والنصف ليلاً، أحياناً أتعرض لطرد وتعنيف من قبل القائمين على المقاهي والمطاعم إضافة للإهانة من قبل رب العمل الذي يؤمن له البضائع في حال عدم بيعها جميعاً .
يتحفظ عبد على المبلغ الذي يجنيه يومياً من العمل ، وقد تهرب مراراً عند سؤاله عن ذلك، كما لم يفصح عن والديه، إذ كانا يخافان عليه لبقائه إلى الساعة العاشرة والنصف ليلاً خارج المنزل، قال فقط إنهما يعرفان أنه سيعود للمنزل عند تلك الساعة.
يختم عبد حديثه بأنه يرغب في تعلم مصلحة، على أن يكمل تعليمه في حال تركه العمل في الشارع وهو أمر مفروغ منه بحسبه، ولكن ينتظر حتى يكبر بضع سنين أخرى
10آلاف في اليوم
تسوُّل الأطفال أو عملهم هي مهنة حقيقية حيث تدفع بعض العائلات أبناءها للعمل فيها، وهذا الأمر ليس بعفوي ولا مؤقت بالنسبة لهم، فالطفل خلال اليوم يحصل على مبلغ لا يقل عن 10 آلاف ليرة سورية بحسب أبو جابر صاحب المطعم الذي يتردد عليه العديد من الأطفال.
ويقول أبو جابر:معظم الأطفال يعملون تحت رقابة شخص معين حيث بإمكانه رؤيتهم ومراقبتهم في حال حدوث مكروه لهم، مشيراً لنا إلى وجود شاب بعمر 30 يراقب الأطفال عن كثب لحظة تكلمنا معه، مضيفاً: "هم يلعبون على عواطف الناس، في بعض الأحيان يعطي بعض زبائننا هؤلاء الأطفال مائة أو أكثر، دون أن يشتروا منهم شيئا لتأثرهم البالغ بنمط حياتهم وأوضاعهم".
خوفنا من رب العمل وليس من التحرش
لن يفاجئك منظر أم تتوسد الرصيف في منطقة البرامكة، ولا صغار يبيعون الخبز أمام الأفران ، هؤلاء تم استغلالهم من قبل عصابات تدير بشكل منظم عمليات التسول، وتشغل الأطفال مقابل مبالغ زهيدة.
تتحدث فاطمة " 12 عاماً" قائلة: أقوم بتأمين كمية من الخبز عن طريق المعلم المسؤول علينا ومهمتي بيعها مقابل 500 ليرة سورية يومياً وفي حال عدم قدرتي على إتمام عملي يتم الخصم من المبلغ المتفق عليه .
وتبين الفتاة الصغيرة كثير من الأحيان لا أستطيع بيع أكثر من أربعة ربطات لذلك علي أن أبقى لوقت متأخر لنفاذ الكمية .وتؤكد فاطمة لنا أنا لا أخف من أي عملية تحرش كفتاة فهناك من يقوم بحمايتنا بحال حاول أحد الشباب التحرش بنا ولكن أخاف من العقاب الذي يوجه لي من قبل رب العمل.
لا يوجد قانون للمتسولين ...
يؤكد المحامي علي ديب في تصريح خاص لنا عدم وجود قانون يخص المتسولين في سوريا وإنما هي عبارة عن ثلاث فقرات ضمن قانون العقوبات، لافتاً إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ليست مخولة بحجز المتسول، وإنما هي تعطي القرار للجهات الأمنية في هذه المهمة، حيث تكون العقوبة من شهر إلى شهرين وعندما يخرج المتسول يعود إلى المهنة ذاتها، هنا نجد المشكلة وقد عادت إلى نقطة البداية.
وبحسب الديب ، فإن نسبة كبيرة من المتسولين يحققون ربحاً شهرياً ما يعادل 400 ألف ليرة… هذا ما يؤكد صعوبة التعامل مع هؤلاء لأن في اعتقادهم لا يوجد دخل بديل يدرّ عليهم ولو نصف هذا المبلغ، كما أن التسول يعد مرحلة تمهيدية لمراحل أخرى لارتكاب الجرائم والتي هي الاتجار بالبشر والمخدرات وحمل السلاح وكل الأوبئة التي تفرزها ظاهرة التسول.
ازداد عدد المتسولين من الأطفال والنسوة بسبب الحرب، وقد استغل بعض محترفي التسول مآسي المهجرين و تسولوا باسمهم على أنهم مهجرون وفي ظل الغلاء باتت مهنة التسول تدر ربحاً وفيراً لهم مقابل عدم تدخل الجهات المسؤولة لمعالجة الموضع وبتره من الجذر.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: