كوهين الذي نسي اسمه في مسلسل netflix الأخير the spy

مهند كريم شمس
«يا لك من مسكين، إنك عاجز عن تذكر اسمك، ولا تعرف هويتك الحقيقية»، قالها مذعوراً حاخام يهودي لذلك الذي عجز عن تذييل وصيته التي كتبها قبل إعدامه، لأنه لم يتمكن من تحديد هويته بدقة إذا ما كان "كامل أمين ثابت" رجل الأعمال الدمشقي الذي سيصبح قريباً نائبا لوزير دفاع سوريا، أم "إيلي كوهين" الجاسوس الصهيوني الذي كان نكرة بين أبناء شعبه حتى لحظة إعدامه.
بهذه الجملة الدرامية بدأت وأنهت أيضاً شبكة netflix مسلسلها القصير "the spy" الذي أطلقته مطلع الشهر الجاري، والمقتبس عن قصة حياة الجاسوس الصهيوني الشهير الذي دخل دمشق باسم مستعار في ستينيات القرن الماضي واستغل الوضع السياسي المتخبط آنذاك عقب الاستقلال عن الانتداب الفرنسي ليبني أرضية ثابتة له مع الطبقة السياسية المتصدرة للمشهد في البلاد، بالطبع فإن المسلسل يعتمد بسرده على الرواية الصهيونية والغربية ويعكس وجهة نظرها.
ولكن مع ذلك فإن مشاهد المسلسل مررت فكرة إنسانية أعمق مما يبدو عليها، فمنذ الحلقة الأولى كان إيلي يتبع مجده الشخصي وليس مجد شعبه ويبحث عن نظرة الاحترام في أعين من حوله وهو ما جعله في نهاية الأمر ينكر ذاته تقريباً، هروباً من التهميش الذي يشعر به لكونه يهودي من أصول عربية يعيش في الأراضي المحتلة، ومن ذات المبدأ أعاد "الموساد" إرسال إيلي إلى سوريا غير مبالٍ لارتفاع احتمالية الإمساك به بعد نقله لمعلومة حساسة جداً ستفضح أمره حتماً أمام السوريين، لتبدي بذلك رغبتها المستميتة لتحقيق المجد لقضية تعتبرها ذات أولوية فوق كل شيء حتى حياة من يحملها.
كل ذلك مجتمعاً عكس مدى ضعف الموت أمام القضايا، فمهما كان للموت كشيء حتمي من هالة ورهبة لدى الناس، يبقى صامتاً عندما تقف القضية أمامه، أياً تكن تلك القضية فهي أقوى كلما ازداد عدد من يتبنوها، فموته لم يعنِ شيئاً لدى من أرسله بل وفي نقطة معينة أرادوا ضمنياً لفت الانتباه إلى إنجازهم بتركه يُعدم، وكذلك فإن نظرات من حوله في المشهد الأخير عند إعدامه بساحة المرجة تثبت ذلك، فحتى أقرب الأشخاص له وحتى خطيبته السورية لم ترف لهم عين وهم يشاهدونه مشنوقاً، ببساطة لأن قضيتهم كانت أكبر من أي شي ولا يمكن تجاوزها لأجل أي شخص، وهو ما لا يلام عليه أحد.
ولكن ذلك كله يبقى مرهوناً بمدى اتساق قضية الفرد الشخصية (المجد لنفسه في المسلسل) مع قضية جماعته التي ينتمي إليها، فبحسب المبدأ النفسي المتعارف عليه، كلما تمكن الفرد من تحقيق أهدافه الشخصية عن طريق تحقيق هدف جماعته العام ازداد ولائه لتلك الجماعة والعكس بالعكس، كلما ابتعد عن أهدافه انسلخ عن تلك الجماعة وبحث عن أخرى تلبي طموحاته ولو كانت أصغر وأضعف من بيئته الأصلية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: