«خط الغاز العربي».. هل ستنجز الاتفاقيات ؟!
عشتار محمود
تدور الكثير من الضجة حول تفعيل خط الغاز العربي لحل أزمة الطاقة في لبنان... ولسوريا في هذه الضجة حصّة هامة، فعبرها سيتم مرور الكهرباء المورّدة للبنان، والغاز الطبيعي كذلك الأمر.
وفي هذا العبور بضعة فوائد اقتصادية غير محدّدة ومعلنة بدقّة، ولكن سياسياً هنالك ضباب كثيف يغلّف (فوائد هذا الانفتاح العربي) على حلحلة أزمات كل من سوريا ولبنان في التوقيت الحالي!
الاتفاقية التي تعود اليوم للضوء قد لا تخرج من دائرة الأضواء الإعلامية، إذ يدور حولها اقتصادياً وسياسياً الكثير من إشارات الاستفهام.
يعبر خط الغاز العربي من مصر إلى الأردن فسوريا ولبنان، ويعتبر واحداً من المشاريع الإقليمية المشتركة القليلة في منطقتنا التي رأت النور.. إذ انطلق في مطلع الألفية مع ارتفاع إنتاج الغاز في مصر، عندما تضاعفت كمياته قرابة ثلاث مرات ونصف بين عامي 2000-2008، ما أتاح لمصر فوائض تصديرية كان المحيط الإقليمي هو الوجهة الأساسية لها.
أما توقف المشروع بشكل كامل منذ عام 2012 تقريباً فلا يرتبط فقط بالأزمات السياسية الكبرى في المنطقة وفي سوريا تحديداً، بل يأتي نتيجة التراجع الحاد في الإنتاج المصري للغاز الطبيعي خلال الفترة بين 2009-2015 بنسبة 75%، وتوقّفت مصر عن التصدير بشكل شبه كامل خلال هذه المرحلة.
اليوم، عاد الإنتاج المصري ليرتفع بمستويات كبيرة وبقفزات استثنائية في أوقات قصيرة، وهذا نتيجة لعاملين: الأول انطلاق الإنتاج منذ عام 2018 في حقول كبرى مثل حقل ظهر الذي يضاعف الإنتاج السنوي المصري تقريباً، والثاني نتيجة لتحوّل مصر إلى مركز لإسالة غاز شرق المتوسط المتصاعد إنتاجه منذ عام 2015 تقريباً، وبالدرجة الأولى الغاز المكتشف في السواحل الفلسطينية المحتلة والذي تصدّر "إسرائيل" جزءاً منه لمصر لتتم إسالته هناك، وهو أمر معلن بالبيانات بين وزراء الطاقة عام 2020 خلال اجتماع غاز شرق المتوسط.
وطبعاً، ما سبق يشكّل العقبة السياسية الأساسية أمام مشروع كهذا، إذ من المفترض أن تضمن كل من لبنان وسوريا ألّا تكون هذه العمليات تشمل تدفقات غاز من إسرائيل وعوائد مالية تخدم حكومة الكيان.
https://www.facebook.com/QstreetJournal/videos/538212377250053
ويدور الكثير من الشكوك حول هذا الأمر فمثلاً نشرت حملات المقاطعة في كل من لبنان والأردن بياناً يشير إلى أنه لا يمكن فصل الغاز الصهيوني عن الغاز المصري عبر الخط، وتحديداً لتوليد الكهرباء في الأردن التي سيتم توريدها للبنان عبر سوريا ومن محطة دير علي.
ما يثير الشكوك أيضاً أن كمية الغاز الذي طلبه لبنان ستقارب 600 مليون متر مكعب سنوياً، وهي تعادل 85% من الفائض التصديري المتاح في مصر عام 2020 والبالغ 700 مليون متر مكعب. فهل ستصبح لبنان الوجهة الأساسية للغاز المصري المصدّر؟! وهل ستلغي مصر التزاماتها تجاه أطراف إقليمية ودولية أخرى لتلبية الطلب اللبناني، وهي التي عادت لتشغيل محطات إسالتها وتحتاج إلى الإفادة منها وبيع الغاز المسال بأسعار أعلى؟ وماذا عن أجور سوريا من هذا العبور التي يفترض أن تكون بالغاز أيضاً؟!
إن الكميات المطلوبة للعقد وللأجور تشكل نسبة كبيرة من قدرة الفوائض المصرية التي لا يمكن أن تغطيها من فوائض مصر فقط. ومثل هذه الأرقام تثير الشكوك حول إقحام الغاز "الإسرائيلي" في الاتفاقية وخاصة أنها تتم برعاية أمريكية وبدعم من البنك الدولي وهي الأطراف المعنية بدعم مسارات تطبيع العلاقات في الإقليم.
الحصة المخصصة لسوريا غير معلنة بعد، ولكن التصريحات الرسمية أشارت إلى أنها ستكون عينية غالباً وليست نقدية أي ستحصل سوريا على غاز وكهرباء، وبالغالب فإنها ستكون بكميات أقل من الكميات المخصصة للبنان، أي أقل من 600 مليون متر مكعب سنوياً وهي تقارب 10-12% من كميات الغاز المتوفرة حالياً في سوريا، أما الحصة من الكهرباء فإنها ستبلغ بأقصى حالاتها 250 ميغا واط من الكهرباء ونسبة 8% من الكهرباء المتوفرة.
وهذه النسب لن تتحقق غالباً لسوريا لأنه لا يمكن أن تكون الأجور المدفوعة لبلد العبور تعادل الكميات المسلمة للبلد الذي يتم التعاقد معه وهو لبنان.
بالنسبة لسورية فإن الجدوى الاقتصادية مضمونة أياً تكن الأجور من غاز وكهرباء، وخصوصاً أنه وفقاً لوزيري الكهرباء والنفط فإن سوريا لن تحتاج إلى أكثر من 12 مليار ليرة أي ما يقارب 4 مليون دولار بينما خط الغاز بقسمه السوري لا يحتاج تأهيل أو إنفاق إضافي، ولكن المكاسب الاقتصادية هذه لن يعطيها كل من الأمريكيين والبنك الدولي بالمجان بعد كل التشدد في عقوبات قيصر على سوريا، بل قد يكون الثمن غالياً بإدخال الكيان بشكل غير مباشر في هذه العملية! لذلك فإنه المرجح أن مثل هذا الاتفاق لن يخرج عن إطار الأصداء الإعلامية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: