جودة التعليم في خبر كان!
حبيب شحادة
انتشر التعليم في سوريا قبل عام 2011 بشكل كمي محققاً زيادة في أعداد الطلاب، والكادر التدريسي والتعليمي. حيث يُعتبر التعليم القاعدة الأساسية لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. ومع بداية الأزمة/الحرب تضعضع قطاع التعليم ومنظومته بشكل عام ما انعكس سلباً على تصنيف الجامعات السورية، والاعتراف الخارجي بقيمة الشهادة.
خسارة ما يقارب الثلاثة عقود
كما أفرزت سياسات التعليم السابقة تفاوتاً في تحقيق أهداف اجتماعية تتعلق بالتأثير في المحددات الصحية ومحددات الخصوبة والفقر، لتأتي الأزمة/ الحرب وتُفقد سورية ما يقارب الثلاثة عقود في مجال التنمية البشرية، التي تعني وفقاً لعالم الاقتصاد والفيلسوف الهندي "أمارتيا صن"، (توسيع الخيارات والحريات أمام الناس).
يقول الدكتور في كلية العلوم السياسية "قاسم أبو دست" ل جريدتنا، إنّ "العملية التعليمية تأثرت في بداية الحرب بشكل سلبي نتيجة النزوح بين المحافظات، والتدمير الممنهج للعديد من المنشآت التعليمية ونقل بعضها الآخر، وعندما تحسنت الظروف بدأت العملية التعليمية تتقدم بخطى واثقة، خاصة في ظل المراسيم التي صدرت فيما يتعلق بالدورات الإضافية والمستنفذين، وهذا يعني أنّ الشهادة الجامعية بقيت مُحافظة على وضعها، بل تقدمت نحو الأفضل، والدليل على ذلك تحسن تصنيف الجامعات السورية حالياً على مستوى العالم".
خارج التصنيف العالمي
منذ ما يقارب العام قام موقع «ويبوميتريكس» التابع للمركز الوطني للبحوث في مدريد، بنشر تصنيفه نصف السنوي للجامعات حول العالم، ومن خلال بياناته ظهر تدهور كبير للجامعات السورية عام 2018، إذ احتلت جامعة تشرين المرتبة الأولى سوريا والمرتبة 5073 عالمياً، في حين احتلت جامعة حلب المرتبة الثالثة سورياً والمرتبة 6094 عالمياً، وجامعة البعث المرتبة الرابعة سورياً و7116 عالمياً، والجامعة الافتراضية السورية المرتبة الخامسة سورياً و8892 عالمياً، وجامعة دمشق المرتبة السابعة سورياً و10902 عالمياً، وجامعة القلمون المرتبة العاشرة سورياً و14135 عالمياً، وهو الأمر الذي يعني تراجع الجامعات السورية بشكل عام بمعدل 4000 درجة عن التصنيف السابق. وخروجها من مؤشر جودة التعليم.
اليوم بعد قيام وزارة التعليم العالي بسلسلة ورشات حول (تصنيف الجامعات السورية ماله وما عليه) وطرح خلالها خطة إسعافيه بهدف رفع تصنيف الجامعات "، استطاعت الوزارة بالتعاون مع الجامعات السورية ومن خلال تشكيل لجان متابعة لتوصيات الورشة من تحقيق تقدم في تصنيف معظم الجامعات السورية.
حيث ارتفع تصنيف جامعة دمشق إلى 7000 مرتبة، بينما ارتفع تصنيف جامعة حلب بحوالي 1500 مرتبة، وارتفع تصنيف جامعة البعث 1000 مرتبة، وجامعة تشرين 3000 مرتبة.
رغم ذلك ما زال هناك الكثير من الممارسات السلبية في قطاع التعليم العالي، التي تؤثر على جودة التعليم من جهة، وعلى مخرجات المنظومة التعليمية، لناحية ثانية، وخصوصاً بعد كثرة وانتشار الفساد في الجامعات الخاصة والعامة، والتي تجلت بإعفاء أكثر من رئيس جامعة وعميد كلية، ناهيك عن التكاليف الوهمية لبعض الأستاذة (أعضاء هيئة تدريسية) بهدف الحصول على مقاعد إضافية وأكبر عدد ممكن من الطلاب.
التعليم وقوة العمل
يُعد التعليم حجر الأساس للتنمية البشرية، كما يقوم بدور رئيس في بناء قوة عمل مُنتجة، وكذلك يؤدي مهمة أساسية في تربية الأجيال على المواطنة والحقوق والواجبات والعقل النقدي. هذا من الناحية النظرية، أما عملياً وتحديداً في سورية فالأمر مختلف لدرجة كبيرة وخصوصاً بعد سنوات من الصراع، والتي كان التعليم أولى ضحاياها.
يرى د. قاسم أبو دست بأنّ "التعليم يلعب دوراً أساسياً في جميع جوانب التنمية، إذ يمثل الأساس الذي نبني عليه كل ما نصبوا إلى تحقيقه سواء اقتصادياً أو سياسياً أو اجتماعياً "، مضيفاً أنّ لذلك أثر في رفع مستوى التنمية البشرية التي تشكل مطلباً ملحاً لمجتمعاتنا. لذلك لا بد أن يُعار اهتمام كاف لتوفير التعليم وتطوير السياسات التعليمية بما يتناسب مع متطلبات الوضع الراهن.
كما أنّ التعليم يعاني من عدم ربط مخرجاته بسوق العمل، لدرجة الانفصام التام بين العملية التعليمية، ومتطلبات سوق العمل التي تعاني من عدم قدرة مخرجات التعليم على الانخراط المباشر في سوق العمل، وأحد أسباب هذه الظاهرة، تتجلى في غياب التدريب العملي في المنشأت والمؤسسات خلال العملية التعليمية التي تقتصر معظم سنواتها على التحصيل النظري.
زيادة جامعات ونقص دكاترة
جدير ذكره أنّه قبل الأزمة /الحرب ازداد عدد الجامعات واستمر بالتزايد، إذ ارتفع عدد الجامعات الخاصة من 13 جامعة عام 2008 إلى 18 جامعة عام 2011 ووصل عام 2016 إلى 20 جامعة خاصة، بينما استقر عدد الجامعات الحكومية عند حدود 6 جامعات بين عامي 2008 و2011 وارتفع إلى 8 جامعات عام 2011. وفقاً لدراسة نشرها "مركز مداد للدراسات" بعنوان (التعليم في سوريا بين نمطية التحليل وأفق الأهداف) عام 2018.
وفي ظل هذا الازدياد بعدد الجامعات، يشير د. قاسم أبو دست إلى أنّ ذلك لم ينعكس إيجابياً بزيادة أعضاء الهيئة التدريسية، إذ يقول " حدث هناك تسرب واضح لعدد من أعضاء الهيئة التعليمية، إما لمواقف سياسية أو بحجة العلاج في الخارج، الأمر الذي أدى إلى نقص حاد في أعضاء الهيئة التدريسية، وهذا ما أثر بشكل سلبي على بعض نواحي العملية التعليمية، وخاصة بالنسبة لطلاب الدراسات العليا، لأنه يحق لعضو الهيئة التدريسية أن يقوم بالإشراف على عدد معين فقط من طلاب الماجستير والدكتوراه".
ويتابع "إن الأعداد المتزايدة من خريجي التعليم العالي يجب أن تؤدي دورها في بناء التنمية، بدلاً من أن تكون عبئاً عليها وذلك من خلال القيام بالعديد من الإجراءات وأهمها تلك التي تؤدي إلى ربط هذا التعليم بسوق العمل".
يبقى التعليم، مفتاح الارتقاء بجودة السلع والخدمات التي ننتجها، وتحسين الإنتاجية التي نحن في حاجة ماسة إليها، كما أنّه السبيل إلى رفع مستويات التوظيف وبناء قوى عمل ذات نوعية مرتفعة، وهو السبيل نحو مستويات معيشية أفضل للمواطنين كي نصل إلى مستوى تعليمي يطور العقل النقدي الذي يساعد في عملية البناء والتطور والتغيير المجتمعي والنهوض بالإنتاج والإنتاجية.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: