إيران-فنزويلا: تحالف الثورة الإسلامية مع اليسار الراديكالي
فارس الجيرودي
في الخامس من آذار من العام 2014 زار الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد معرض صور في طهران للرئيس الفنزويلي الراحل "هوغو تشافيز"، الرجل الذي يمكن لزائر العاصمة الإيرانية أن يلاحظ تواجداً كثيفا لصوره في الشوارع، تماماً كما تنتشر صور قادة "شهداء" لحزب الله اللبناني ولحركتي الجهاد الإسلامي وحماس الفلسطينيتين، كصورة "عماد مغنية" أو الشيخ "عباس الموسوي" أو "فتحي الشقاقي أو الشيخ "أحمد ياسين"، وهم قادة تم اغتيالهم إثر عمليات إسرائيلية.
قبلها بعام واحد أحدثت مشاهد تلفزيونية لنجاد وهو يمسك بيد والدة تشافيز، ويواسيها أثناء تشييع نجلها، ضجةً في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، فمشهد مصافحة القادة الإيرانيين للنساء مشهد غير مألوف منذ قيام نظام الثورة الإسلامية، وهذا يشمل المسؤوليين الإيرانيين الإصلاحيين كـ"حسن خاتمي" فضلاً عن وجوه التيار المحافظ كنجاد، لكن هذا الخرق البروتوكولي أو«الخرق الشرعي» من وجهة النظر الدينية الإيرانية، لم يكن وحده ما لفت الانتباه وجلب الانتقادات لنجاد في بعض الأوساط المتشددة في إيران، فنجاد كاد في تأبينه لصديقه الراحل تشافيز ينزله منزلة الأنبياء، عندما صرح بأن: « شخصية الرئيس تشافيزالمناصرة لقيم الحق والعدالة ستبقى حية فى قلوب الشعوب وفى ذاكرة التاريخ، وبأنها ستعود مع عودة المسيح المخلص».
ويبدو أن العلاقات الإيرانية- الفنزويلية لم تخسر الكثير من حرارتها خلال فترة روحاني-مادورو، حيث تعود اليوم لتأخذ مكانها تحت مجهر التدقيق و التحليل، مع خبر مشاركة وزير الدفاع الإيراني :أمير حاتمي" في مراسم أداء اليمين الدستورية للرئيس "نيكولاس مادورو" لولاية جديدة، وترافق خبر وصول الوزير الإيراني إلى "كراكاس"، مع أنباءٍ عن استقبال فنزويلا لبارجتين عسكريتين إيرانيتن، ومع حديث مسؤولي البلدين عن توقيع اتفاقيات تصنيع عسكري مشتركة، ليتجاوز الملعن عن التعاون بين طهران وكراكاس المجالين الصناعي و المصرفي الذي سبق أن وقع الطرفان اتفاقيات بشأنهما.
ويكتسب الحديث عن التنسيق العسكري الإيراني -الفنزويلي أهميته من كون الولايات المتحدة الأمريكية ترى منطقة أمريكا اللاتينية بمثابة الحديقة الخلفية لها، لذلك اعتبر تقرير للبنتاغون التواجد العسكري الإيراني في هذا البلد تهديداً مباشراً للأمن القومي الأمريكي، علماً بأن البنتاغون حذر بدءاً من نيسان عام 2010 من تواجدٍ للحرس الثوري الإيراني في فنزويلا، وذلك من خلال تقرير رفعه إلى الكونغرس، وتم تسريبه إلى وكالات الأنباء الدولية.
ورغم الاختلاف الأيديولوجي الظاهر بين نظامي البلدين، حيث تتبنى طهران أيديولوجية دينية فيما تتبنى كراكاس توجهاً يسارياً، إلا حاجاتٍ استراتيجية مشتركة تجمع البلدين، إضافةً إلى ما يعلنه مسؤولوهما من اهتمام بدعم قيم التحرر لمستضعفي العالم في وجه الطغيان الأمريكي الامبريالي، فالبلدان من أهم أعضاء منظمة "أوبك" النفطية، وهما ملاحقان بالعقوبات الاقتصادية، وبمحاولات العزل السياسي الأمريكية، ما تصاعد في عهد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، الذي استأنف الحرب الباردة ضد طهران، وذلك بعد هدنة قصيرة إثر توقيع الاتفاق النووي مع دول 5+1 والذي انسحبت منه واشنطن العام الماضي، كما كثفت الولايات المتحدة على التوازي من دعمها للمعارضة الفنزويلة المناهضة لحكم الرئيس مادورو، وشكلت ما يعرف بدول "مجموعة ليما" وهي تكتل من 12 دولة لاتينية حليفة لواشنطن، ترفض الاعتراف بشرعية الرئيس الفنزويلي مادورو، وتطالب بتسليم السلطة إلى البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وهو ما يشبه كثيراً ما تواجهه إيران من محاولات أمريكية لتشكيل أحلاف اقليمية معادية لها، بدءاً من "مجلس التعاون الخليجي"، الذي تشكل عام 1981 كردٍ على قيام النظام الإسلامي المعادي لواشنطن في طهران.
لكن طهران تمكنت بالنتيجة من اختراق "مجلس التعاون الخليجي" من خلال علاقات مميزة بسلطنة عُمان، ومتوزانة مع كل من الكويت وقطر، لتواجه في عهد ترامب محاولات تدشين ناتو عربي، «مهمته الانتقال من مرحلة احتواء إيران إلى مرحلة مواجهتها» كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي بومبيو من القاهرة قبل يومين.
بناء على ما سبق تكتسب العلاقات الإيرانية-الفنزويلية أهميتها انطلاقاً مما تتيحه للبلدين من فرص اختراق محاولات العزل السياسي والحصار الاقتصادي الأمريكية، وهي بالنسبة لطهران فرصة ذهبية للرد على التحرشات الأمريكية في محيطها الاقليمي، بتواجد عسكري في الحديقة الخلفية للولايات المتحدة، كما أن هذه العلاقات إضافةً للعلاقات الروسية-الصينية مع كل من البلدين، تؤسس لشبكة تحالفات عالمية، مضاة للنظام السياسي أحادي القطب الذي أقامته واشنطن حول العالم، و الذي اعتادت أن تستخدمه لعزل ومعاقبة كل من يخرج عن سطوتها.
المصدر: وكالات
بواسطة :
شارك المقال: