إعلاميون أم مضاربون؟!
لأي حرب هناك مخلفات ماديةً كانت أم ثقافية، كذلك هي الحرب السورية خلفت الكثير، لكن أسوأ ما خلفته هو فئة مجتمعية يمكن أن نسميها باحترام "إعلاميو الأزمة" هم كغيرهم من الذين استغلوا وضع البلاد، لاكتساب شهرة والحصول على مكاسب مادية أمر غير ضار بالنسبة لهم أيضاً.
تدني المستوى المعيشي لهؤلاء كحال مستواهم الفكري إذ جعلهم يلجؤون لمجانية وسائل التواصل الاجتماعي مستغلين حاجة الناس لمعلومة سريعة عما يدور حولهم كمكان وقوع قذيفة مثلاً، فأخذت هذه الصفحات شعبية واسعة، لكن انتهاء حالة التوتر في كثير من المناطق لم تُبق لهذه الصفحات حاجة، فبدأوا بالنشر يميناً وشمالاً دون مراعاة لأدنى قواعد المهنية الإعلامية، بعد أن اتجهت تلك الصفحات لتأخذ دور المحلل السياسي والاقتصادي والفني، ولتستمر بنفس المستوى من التفاعل اتبعت نهج العناوين المستفزة.
وكمقولة «السلاح بيد "من لا يعرف استخدامه" يجرح»، خرجت صفحة "دمشق الآن" لتنقل تصريح "مجتزأً" لحاكم مصرف سورية المركزي على طريقة "لا تقربوا الصلاة" دون إكمال الجزء الأهم من كلامه.
التصريح ورد في صحيفة الوطن على الشكل الآتي: «بيَّن قرفول أنه كان يراقب هذا التحرك والارتفاع في سعر الصرف وأنه كان يتوقع ارتفاعاً لا يتعدى 2 و3 بالمئة لبعض الأسباب أهمها تنفيذ عدد من العقود مع نهاية العام، لكن سعر الصرف للدولار استمر في الارتفاع بشكل غير مبرر ومنطقي بسبب المضاربة».
من يفهم الاقتصاد يعلم أن حديث الحاكم كان علمياً حول كون الارتفاع متوقعاً مع اقتراب نهاية العام، وإيضاحه لأحد أهم الأسباب بتنفيذ عدد من العقود التي لا شك أنها ستستهلك الدولار الموجود وستسهم في ارتفاع سعره، هذا ما أورده الحاكم في بداية تصريحه، لكن هذا الجزء لم ينال إعجاب "إعلاميو الفيسبوك" لكونه لن يثير المتابعين ولن يدعوهم للسب والشتم وارتفاع عدد متابعي المنشور، فأخذوا الجزء الثاني الذي تحدث فيها الحاكم عن أثر المضاربة على سعر صرف الدولار.
«الاعتراف بالمشكلة هي أول خطوة على طريق حلها»، هذه السياسة لم تناسب "دمشق الآن" لأننا اعتدنا سياسة الاختباء وراء الإصبع والتباكي على أبواب الحرب لتبرير أي مشكلة بما أحدثته الحرب، أما تكملة حديث "قرفول" عن آلية تعامل المركزي في سنين الحرب، لم تجذبه، كما لم يجذبه تكملة الحديث عن تغيير آلية عمل المركزي في ظل الحرب وعمل مراجعات واسعة في سياسات المركزي وبناء استراتيجية جديدة تتناسب مع مرحلة إعادة الإعمار.
ختم حاكم مصرف سورية المركزي حديثه بكون الاستراتيجية الجديدة ستقوم على الثقة معترفاً بتضرر هذه الثقة خلال سنوات الحرب ومعترفاً أيضاً: «بأن هذه الثقة تحتاج لعمل وجملة من الإجراءات على الأرض ومنه يعمل المركزي على حزمة متكاملة من القرارات الجديدة والمراجعات التي ستبدأ وتلمس أثرها».
لكن الثقة التي وضعها الناس في صفحات "الفيسبوك وإعلامييها" لم تثمر إلا ضرراً على اطمئنان الناس بتحسن واقع بلدهم ومزيد من زعزعة الثقة في مؤسسات دولتهم.
"مفرزات الحرب" هذه التي تتلاعب بعقول الناس وتبيع ثقتهم بثمن بخس في كل فرصة تتاح لهم، ليست أقل ضرراً من المضاربين أنفسهم الذين يتلاعبون بأكل عيش الناس اليومي.
بواسطة :
شارك المقال: