!إعادة الإعمار في سوريا "صحيح لا تقسم ومقسوم لا تاكل" وعمرها

نسرين علاء الدين
بات السوريون ينتظرون نشرات الأحوال الجوية، ليس من باب الفضول ومعرفة ما يتوجب عليهم ارتداؤه. بل خوفا من هطول الأمطار التي باتت تخلف وراءها انهيارات سكنية في عدد من المناطق. علما أن الأمطار بريئة من الأذى الذي لحق بالسوريين. حيث ارتفعت في الأشهر الثلاثة الأخيرة وتيرة انهيار المباني السكنية في عدد من المناطق السورية، جاءت حلب في المرتبة الأولى وتلتها مدينة دمشق في عدد من ضواحيها. أربعة آلاف عائلة تسكن حلب مهددة مساكنها بالانهيار في أي لحظة بحسب تصريحات محافظ حلب.
إعادة إعمار من قريبه
كيس من الإسمنت الأسود وعشرين بلوكة وشادر من البلاستك، هي كل ما استطاع مرشد أن يحضره ليسد فتحة في جدار منزله في المعضمية. يقول مرشد لجريدتنا: تعبت من دفع الإيجار والتنقل كل ستة أشهر بين المنازل. وقررت العودة إلى منزلنا، جزء كبير منه تهدم بسبب المعارك التي استمرت أكثر من ثلاث سنوات ونجا من الدمار غرفتان وصالون حائط إحدى الغرف كان من الممكن أن يسقط لكني سندته ببلوك داعم.
يقول مرشد: لا أخشى الموت أو أن ينهار جدار منزلي. لأني أعتبر نفسي ميتاً منذ زمن، لكن ما يهمني أن أعيش يومي أنا وأولادي وأترك الغد لربي، ويضيف لا يوجد حاليا أي تعويضات مالية. هناك من عرض علي شراء بيتي لكن السعر كان زهيداً. يتابع مرشد صرفت عمري على بناء منزلي هذا وبعد الحرب صرفت مدخراتي ولا أملك شيئاً أورثه لأبنائي أو أن أخبئه للغد لذلك سأعيش مع أبنائي بانتظار ما يسمونه إعادة الإعمار.
هدم أو ترميم
يتبع السوريون حلولاً (من قريبو) بانتظار المخططات التنظيمية أو التعويضات التي توقفت قبل سنوات لكنهم لا يزالون محكمون بعدد من الخيارات أحلاها مر.
فبين أن ترمم حائطاً لا يسنده شيء سوى الريح أو تهدم البناء الذي لا تملك من تكلفة بنائه شيء.
يتحدث المهندس أيهم محمود لجريدتنا عن موضوع الهدم والترميم. قائلاً: تقرير الهدم أو إعادة الترميم مرتبط بتقييم هندسي معقد له عوامل عدة تساهم في اتخاذ القرار النهائي، لا يوجد جواب عام للمسألة بل كل حالة مستقلة بذاتها ولا تشبه الأخرى، القرار النهائي هو محصلة عدة قرارات جزئية تتعلق بالعمر المتبقي للبناء، جودة المواد، إمكانية استخدام الآليات، إمكانية الهدم الجزئي، القيمة المعنوية أو التاريخية للبناء، وعوامل أخرى كثيرة تساهم في القرار النهائي والذي قد يختلف أيضاً مع اختلاف الخبرات الهندسية. ربما السؤال الأهم هنا كيف نؤمن الكوادر الهندسية الكافية والخبيرة لتقييم الأبنية المتضررة، إن عملية استثمار المتوفر والآمن من الأبنية لفترة زمنية محددة يقلل من حدة التمويل العالي المطلوب ويقسمه على الزمن بينما إقرار عمليات هدم واسعة يتطلب تمويلاً ضخماً للغاية وكلف إضافية عالية للعمالة الخارجية في حال اللجوء إلى فتح جبهات عمل واسعة.
وعن صفات المباني الصالحة للترميم يقول المهندس أيهم: يجب أن تكون المواد ذات جودة، إعمار صغيرة نسبياً للأبنية البيتونية، أضرار موضعية لا تؤثر على السلامة العامة للبناء، إمكانية وصول الآليات، وجود جدوى اقتصادية لعملية الترميم مقارنة بعملية الهدم وإنشاء بناء جديد (يجب تقسيم كلفة الترميم على العمر المتبقي للبناء ومقارنتها بحاصل قسمة كلفة بناء جديد على العمر الافتراضي له).
نزوح جديد
لا يدري أين يذهب أبو عبدو من سكن حي صلاح الدين بعائلته المؤلفة من سبعة أشخاص بعد ما تم إنذارهم بضرورة إخلاء منزلهم المهدد بالسقوط إلى جانب أربعة آلاف عائلة يسكنون في 10 آلاف وحدة سكنية كانت أعلنت محافظة حلب عن إخلائها نظرا لخطر سقوطها، وعودتهم حين ترميم ما يمكن ترميمه من منازلهم.
ويقول: عدت من دمشق قبل أربعة أشهر على أمل أن أعيد فتح محل الخياطة الذي كنت أعمل به وأستقر مع عائلتي وأرتاح من دفع 40 ألف ليرة سورية كإيجار لمنزلي في الشام. لكن اليوم عدنا إلى الشارع مرة ثانية وأبنائي لا يريدون العيش في مركز إيواء حيث لنا تجربة سابقة مع مثل هذه المراكز. كما أني لا أعلم متى يمكنني أن أعيد بناء منزلي، وأخشى أن لا أشهد هذا الأمر على حياتي. كما هو حال الوعود الحكومية الكثيرة طيلة السنوات السابقة بتأمين سكن جيد للشعب.
يذكر أن عدد الأبنية المهددة بالسقوط في حلب قدر بنحو 80 ألف شقة، وتفوق نسبة التصدع في المباني الـ 85 في المائة من إجمالي مباني أحياء حلب الشرقية والغربية.
الحل بتنمية الأرياف
وعن ما يلزم السوريين للبدء بعملية إعادة الإعمار ضمن الإمكانيات المتوفرة من ناحية تدوير الأنقاض والحديد لإعادة الإعمار. يقول المهندس أيهم محمود: يمكن استخدام الأنقاض الحجرية أو المعدنية في عمليات إعادة البناء، أما بالنسبة للأنقاض البيتونية وهي الأكثر انتشاراً فلدي رأي يختلف عن الاتجاهات السائدة: لا أرى فائدة عملية لها، وحتى عملية استخلاص فولاذ التسليح منها بعد تفتيتها هي عملية مكلفة وبطيئة حتى مع إقراري بضرورة استخلاص الفولاذ وإعادة تدويره إلا أن هذه العملية لا يمكن التعويل عليها عندما تعود مئات آلاف الأسر دفعة واحدة وتكون بلا مأوى بجب إيجاد مقاربات أخرى لعملية إعادة الإعمار إن أردنا تقليل الاعتماد على الجهات الخارجية وما يرافق عملية الاعتماد هذه من شروط مقيدة اقتصادية واجتماعية وسياسية، من هذه المقاربات إعادة تنمية الأرياف خدمياً والبناء بالمواد المتوفرة محلياً في كل منطقة وبأيدي سورية محلية، هذه العملية تخفض بشكل كبير التمويل المطلوب بالدولار عبر الاستفادة من المواد المحلية والطاقة البشرية السورية كما يضمن أيضاً الأمن الغذائي للمجتمع السوري بعد الحرب، تكلفة تجهيز الأرياف بأنظمة اتصالات متطورة وشبكات طرق جيدة ومراكز خدمية حكومية ومراكز صحية وأمنية أقل بكثير من إعادة بناء أحياء بأكملها في المدن وهي في النهاية عالة على النظام البيئي وموارده المتناقصة وهي عالة على النظام الاقتصادي بعد سنوات الحرب والحصار، دون الاستفادة القصوى من البيئة السورية وتفعيل الصناعات الصغيرة والمتوسطة في الأرياف بالتوازي مع تنشيط الإنتاج الزراعي لن نتمكن من تفادي الفخ الاقتصادي لمفهوم إعادة الإعمار كما تتبناه الدول الغربية أو الدول التي تتمنى أن تستغل حالة إعادة الإعمار من أجل فرض أجندات سياسية واجتماعية خاصة بها.
بالأرقام
قدرت الأمم المتحدة في دارسة لها العام الماضي تكلفة إعادة إعمار البنية التحتية في سوريا بنحو 400 مليار دولار، إلى جانب عشر سنوات على الأقل.
وتشير بيانات رسمية بحسب تصريحات إعلامية إلى أن قطاعي النفط والكهرباء هما الأكثر تضررًا جراء الحرب في سوريا، إذ تقدر الخسائر في قطاع النفط بما يزيد على 65 مليار دولار، كما تزيد خسائر قطاع الكهرباء عن 800 مليار ليرة.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: