Sunday November 24, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

حين يصبح التعليم لجمع المال فقط

حين يصبح التعليم لجمع المال فقط

د.عمار اليوسف

منذ الستينيات من القرن الماضي وحتى عام 2002 لم يكن في سوريا ما يسمى التعليم الخاص، وإنما كان ينحصر التعليم في المدارس والجامعات والمعاهد الحكومية وكان للمدارس والجامعات السمعة العليا في المجال التعليمي وأكثر ما يميز هذا القطاع هو:

أولاً: المجانية حيث لم يتكلف الطالب وذويه أي تكاليف مادية للتعليم، وكم منا تخرج من الجامعة ولم يكلف أهله أكثر من مبلغ 3000 ثلاثة آلاف ليرة سورية شاملة للرسوم وحتى للكتب المدرسية والجامعية.

ثانياً: الحرفية في التعليم ونقصد هنا المدرسين الأكفاء الذين يهتمون بالطالب ومستقبله إضافة إلى كونهم ممن يتقنون عملهم ويتفانون في هذا العمل.

ثالثاً: الانضباط من قبل الطلاب بشكل عام، وهي السمة الأكثر تميزاً لطلاب سوريا في تلك المرحلة، فمن بداية دخول الطالب للمدرسة في تلك المرحلة يشعر بنوع من الالتزام تجاه وطنه أولا وعائلته ثانياً ورفاقه ثالثاً ومجتمعه بشكل عام ولابد أن تذكر هنا دور العائلة في هذه التربية ولازالت عبارة ((اللحم لك والعظم لنا)) ماثلة في مخيلة طلاب تلك المرحلة وهي كلمة كانت تتكرر دائما على أسماع المدرسين من قبل الأهالي.

وكانت المدارس والجامعات في تلك المرحلة تخرّج الآف الطلبة إلى سوق العمل كمحترفين من الطراز الأول وكانت كافة الدول في الخارج تتلقفهم باهتمام بالغ كونه خريجوا الجامعات والمعاهد السورية.

بعد العام 2002 بدأ ما يسمى الانهيار في القطاع التعليمي العام وذلك بعد ظهور كتلة سرطانية ضمن المجتمع التعليمي السوري سميت بالتعليم الخاص والذي بدأ بالمدارس الخاصة وأن كانت على نطاق ضيق ومحدود.

تفاقمت هذه الظاهرة نتيجة لمجموعة من العوامل ولا يمكن أن يكون ذلك التفاقم والامتداد بريئاً بأي حال من الأحوال بل لابد من التفكير بنظرية المؤامرة في هذا الموضوع بالذات وكانت الصفة الغالبة لهذه المؤامرة هي عملية تدمير القطاع العام التعليمي، لمصلحة القطاع التعليمي الخاص.

من خلال الكثير من الإجراءات خاصة أن من بدأ بالتعليم الخاص، هم مجموعة من التجار المستثمرين الذين توجهوا إلى الاستثمار بالتعليم لعدم وجود استثمارات أخرى، إضافة إلى تشاركهم مع مجموعة من الفاسدين في الحكومات الماضية لتحقيق معادلة تدمير التعليم العام، مقابل ازدهارهم .

ولعل أول ما تم تدميره في التعليم العام هي حالة الانضباط، وتم ذلك من خلال إصدار قرار بسيط لم ينتبه له أحد وهو منع الضرب بالمدارس، إضافة إلى إلغاء دور مدرب الفتوة من المدارس و الشبيبة، وكل ما تم العمل عليه منذ عشرات السنين للالتزام بالمدرسة حيث بشكل أو بأخر فقد الطالب احترامه للمدرس من خلال عدم وجود المؤيد العقابي وأصبح المدرس لا يجرؤ على الحديث مع الطالب حتى بنبرة عالية هذا عن الانضباط أولاً.

ثم قاموا بضرب الميزة الثانية في التعليم العام، وهي ميزة الحرفية في التعليم حيث قام أصحاب المؤامرة باستقطاب كافة المدرسين الأكفاء وتحويلهم إلى القطاع التعليمي الخاص، إضافة إلى التوقف عن رفض التعليم العام بكفاءات جديدة، مما أدى بالنتيجة إلى إفراغ التعليم العام من الكفاءات وتحول إلى مركز للمعلمين من الدرجة الثانية والثالثة وغير الخريجين الذين يدرسون كوكلاء يحصلون على الأجر الأدنى في سلم الرواتب والأجور في الوقت الذي كانت المدارس الخاصة تتضاعف ويتم صرف المبالغ الهائلة عليها سواء لجهة الأبنية أو الكماليات الأخرى من وسائل تعليمية، وهنا أتى دور ضرب الهدف الثالث وهو المجانية.

حيث تحولت المدارس والجامعات الخاصة إلى ما يشبه آلة تجني الأموال والأرباح على حساب الطلاب وذويهم وأصبح الطالب وذويه مضطرين للاتجاه للتعليم الخاص بعد حالة التردي التي وصل إليها القطاع التعليمي العام نتيجة كل ما سبق وبدأت المدارس الخاصة، برفع أجورها وإبتزاز ذوي الطلاب من خلال مجموعة من المتطلبات المدرسية مثل اللباس والكتب المدرسية الخاصة والنقل بالباصات المكيفة إلى أخر ما هنالك من رفاهية تفرض على أهالي الطلاب في ظل غياب المنافسة ونقصد هنا البديل أي التعليم العام وأصبح التعليم الخاص يهدف بشكل كامل للربح المادي دون أي اهتمام بالطلاب ومستقبلهم وأخذت المدارس والجامعات الخاصة تربط أسعارها بسعر صرف الدولار خاصة بعد الانهيارات المتعددة للعملة السورية والتي نشهدها خاصة في فترة الحرب على سوريا حتى وصل قسط الطالب السنوي في بعض المدارس إلى ما يقارب المليون ليرة سورية يلحقها مبلغ لا يقل عن ثلثه يمثل المستلزمات الأخرى من لباس وكتب ونقل.

وفي نظرة عامة لواقع التعليم الحالي في سوريا نرى:

1- دمار كامل في قطاع التعليم العام كان للحرب دوراً كبيراً فيه حالياً لكن هذا الدمار ما كان ليتم لولا استمرار المؤامرة على هذا القطاع لما يزيد عن عشر سنوات قبل الحرب.

2- توجه غالبية المواطنين السوريين ممن يستطيعون الدفع للتعليم الخاص إلى هذا التعليم مجبرين على ذلك في ظل فشل التعليم العام.

3- وهنا الحالة الأخطر هي حالة الفرز الاجتماعي والطبقي بين افراد المجتمع السوري الواحد حيث أصبح طلاب التعليم الخاص طبقة مستقلة عن رفاقهم في التعليم العام وتحولوا إلى مجموعة خارجة عن نطاق الانتماء الوطني على الأقل حيث أن كل مدرسة من المدارس لها طبقتها الخاصة في التعليم والتربية ونقصد هنا المدارس الخاصة ذات التوجه الديني والأخرى ذات التوجه حتى الطائفي والمدارس المتحررة إلى حد بعيد فلم يعد للدولة ذلك الدور التوجيهي في المدارس الخاصة وأصبح الفساد ضارباً عرض الحائط بأي تعليمات للوزارة المسؤولة عن هذه المدارس ولا يجب أن ندفن رؤوسنا في الرمال عن المشاكل الاجتماعية الموجودة في تلك المدارس ولعل أقلها التدخين وما خفي كان أعظم.

في النهاية: أن النظرة العامة للواقع المؤسف الذي وصل إليه التعليم في سوريا وهو أمر موجود وواضح لأي شخص ولا يجب اخفاءه ليتم معالجته توضح أن العلاج طويل ولا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها بل لا بد من خريطة طريق واضحة المعالم لإعادة ألق التعليم العام وإعادة سمعته التي بنت سوريا على مدى العقود الماضية.

ولعل أبرز تلك المعالجات إعادة ما فقده التعليم العام مما ذكر بداية وهي أولاً الانضباط من خلال تفعيل دور المدرس واعطائه صلاحياته والحماية القانونية له في مواجهة ليس الطلاب وانما أهالي الطلاب خاصة منهم من تجار الحرب الجدد 

ثانياً: الحرفية من خلال استقطاب المدرسين الاكفاء وذلك بتعديم  لميزات لهم في عملهم في التعليم الخاص وزيادة رواتبهم مما يتناسب مع غلاء المعيشة والسعي لتأمين كوادر تعليمية حقيقية وليست إعلانية.

الأمر الأهم: السيطرة على قطاع التعليم الخاص سيطرة فعلية سواء من الناحية المادية والتي أصبحت لا تطاق أو من الناحية الاجتماعية ويقصد هنا التوجهات الدينية والطائفية لذلك التعليم في أحيان كثيرة وتعزيز ثقافة أن القطاع التعليمي الخاص هو رافد ومساعد للتعليم العام وليس العكس وأن التعليم الخاص هو لكل السوريين وليس للنخبة من أبناء السوريين كما هو حاصل الآن حيث أن الشعور العام أن التعليم العام للبؤساء من أبناء الشعب.   

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: