Friday April 26, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

هي المتعبة أم أنا؟

هي المتعبة أم أنا؟

خاص

لا أعلم حقاً هل هذه البلاد أصابها التعَبْ والعجَزْ، أم نحن الذين لم نفهم الرسالة حتى الآن -ليس الرسالة ذائعة الصيت- بل تلك التي تدعونا للهجرة، تلك التي تخبرنا بأنه لم يعد يوجد شيء على هذه الأرض يستحق الحياة، فعليكم بالرحيل.

رحلة التعب اليومية تبدأ باكراً في هذه البلاد، حتى قبل الخروج من المنزل:

-الكهربا لهلأ ما أجت ما كويتلك شي!

أولى العبارات التي أسمعها في الصباح، ألا يكفي أن تكون حياتنا "مجعلكة" حتى تصبح ملابسنا أيضاً كذلك؟

ثاني المحطات المشؤومة مع كل صباح انتظار "مكرو الدوار شمالي"، فالحصول على فيزا إلى الإمارات أسهل من الحصول على مقعد، أو حتى "عالباب" في "الدوار شمالي".

يصيبني الملل ذاته كل يوم، فلا أجد بُدّاً، من الذهاب سيراً على الأقدام من المهاجرين حتى ساحة الأمويين أو ما بعد بعد ساحة الأمويين.

صدقاً، لا أذكر متى كانت المرة الأخيرة التي ركبت فيها هذا "المكرو"، لكن أذكر تماماً تفاصيل تلك الرحلة من المهاجرين حتى "نفق الآداب"، حنيها كان جلوسي في "المكرو" أشبه بركوب "البلم"، عدد لا محدود من الأشخاص في وسيلة نقل مهترئة لا تصلح لثمانينيات القرن الماضي، مع سماع نفس العبارات التقليدية من "الشوفير" و"الركّاب".

أفقد الأمل كل يوم، ولا أعرف هل أفقد الأمل بالسرفيس أم الأمل بهذه البلاد، لكن لا يبقى أمامي حلاً إلا السير على الأقدام.

على الرغم من الملل المقيت الذي أعيشه يومياً على هذا الطريق بجانب أحياء "الطبقة المخملية"، إلا أن ذلك المكان كل يوم يتغير، أُحسُّ ذلك، بل انا متيقن من ذلك. المكان لا يتغير شكلاً، لكني أشعر أن الثروات هنا تتعاظم كل ساعة، كل دقيقة، كل لحظة، هنا -الله يهنيهم طبعاً- لا يشعرون برسالة الغاز، ولا يفكرون بكمية المازوت "الضخمة" التي ستصلهم على البطاقة الذكية -إن كانوا يعرفونها أصلاً- ولا ينتظرون رسالة البنزين، وكيف ينتظرون رسالة البنزين؟ وتلك الأحياء تشهد كل ليلة سباقات بالسيارات، وتُستهلَك مئات الليترات من البنزين بشكلٍ عبثي -لأن الشباب حابين يروّحوا عن حالهم- بينما يبحث سائق التكسي -المعتر- عن ليتر واحد أو ليترين ليكمل نهاره بالعمل، نعم تلك الأحياء تتغير وتتطور أحوالها، بينما نحن "صامدون"، لكن إلى متى؟

أصل إلى العمل، لتستقبلني ابتسامة صفراء:

-صارت الساعة تسعة ونص كل يوم على هالحالة؟

-معليه اتحملني أستاذ بتعرف أزمة المواصلات.

أعارك في العمل كل شيء، روتينه، ضغوطه، مشاكله، والابتسامة الصفراء، وتمر الأيام على هذه الحال.

أخرج من العمل الأول، ليس إلى المنزل طبعاً، بل نحو العمل الثاني، وتتكرر معاناة الانتظار ثانيةً، لكن، في بعض الأحيان لا أملك القدرة على السير، فلا يبقى أمامي خيار إلى تلك السيارة "الصفراء":

-"خمستالاف معلم" 

يفاجئني السائق، 5000 ليرة لرحلة لا تتعدى الخمس دقائق من اتستراد المزة حتى الجمارك، هل أصبحت من أصحاب الملايين حتى أعيش هذه الرفاهية المطلقة:

-أربعة وزيادة معلم

-طلاع أمرنا لله.

ومنذ لحظة دخولي إلى التكسي، تبدأ "الأسطوانة":

-بتعرف أديه عم نشتري تنكة البنزين

وقبل أن ينتهي من جملته الأولى، أكون قد سرحت في أحلامي التي تأخذني إلى مكانٍ آخر، مكان حيث يمكن أن أعيش دون التفكير بأساسيات الحياة، أي بلاد هذه التي تجعل أبسط حقوقنا أحلام؟ وأكبر ما نتمناه ألا نكون هنا أصلاً؟:

-وصلنا معلم

-أي لاتواخذذا

تعاد معاناة العمل الأول ثانية، لكن من دون تلك الابتسامة الصفراء، وتمضي الأيام هكذا..

ينتهي العمل في الثانية عشرة ليلاً:

-إيمتى بدي لحق كحل عيوني بسما وطني، إيمتى بدي لحق أتشكر الحكومة على كل هالنعم

هي عبارة تراودني يومياً، لكن ليس باليد حيلة، فلا الحكومة تنتظر شكري، وأنا لا أملك الوقت الكافي لشكرها.

أنا متأكد اليوم، أن الرسالة قد وصلت، الرحيل هو الحل.

 

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: