Friday April 19, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

حتى «حديقة القشلة».. استكثروها علينا..؟

حتى «حديقة القشلة».. استكثروها علينا..؟

 

صغر مساحة "حديقة القشلة"، لم تنمعها يوماً من أن تكون قبلة للشبان من الجنسين الذين يجدون فيها ملاذاً في نهاية اليوم لفسحة جميلة بعد تعب الجامعة أو العمل، يمكن أن تجد من يعزف أو من يغني أو من يكتفي بتناول بعض الأحاديث مع أصدقائه دون أن يكونوا مجبرين على دفع فاتورة خيالية، ولم يحدث أن وجود تجمع هؤلاء الشبان إلى أمر مزعج بالنسبة للسكان، فجلوسهم المجاني على الرصيف يشابه في صخبه جلوس زبائن المطاعم والمقاهي القريبة من الحديقة الصغيرة، لكن يبدو أن الأمر يزعج أصحاب المطاعم لكون من يرتاد هذه الحديقة يجب أن يتحولوا إلى زبائن لهم، وبدلاً من دفعهم بضع مئات من الليرات مقابل الحصول على فنجان قهوة أو "عبوة كولا" من المحال الصغيرة الملاصقة للحديقة، يجب أن تكون الفاتورة بالآلاف، وليس لما فعلته لجنة حي "باب توما" إلا هذا التفسير من وجهة نظر الكثير من الشبان الذين تفاجئوا بأن سور الحديقة الذي له في ذاكرتهم ما له من مكانة، تحول لمكان لوضع أحواض لا أكثر.

وبذكر الحدائق، فمن المستغرب أن كل فترة إغلاق الحدائق العامة بسبب جائحة كورونا لم تعطي محافظة دمشق القدرة على التفكير في صيانة الحدائق التي تحولت لمكان موحش مثل الحديقة المجاورة لـ "القصر العدلي"، في منطقة "أوتوستراد المزة"، ولا الحديقة الكائنة في "طلعة دوار السرايا"، في حي "الفيلات الغربية"، بمنطقة "المزة"، ولا أي حديقة فرعية بين المباني السكنية في أحياء دمشق، فترى أكوام التراب والحشائش الطويلة والمقاعد المكسرة على حالها، بما يجعل من قرار عودة افتتاح الحدائق لا طائل منه، إذّ لن يجرؤ أحد على دخول مثل هذه الحدائق بعد مغيب الشمس، ومن يفعل سيكون مشبوها بنظر السكان.

ثم ما الذي يجعل الحكومة مصرة على إغلاق الحدائق العامة بوجوه أصحاب الدخل المحدود وهي المكان الوحيد الذي يمكن أن يحقق فيه "التباعد الاجتماعي"، بمسافات آمنة بين روادها، في مقابل أن المطاعم والمقاهي مشرّعة الأبواب، وفي وقت أصدر فيه قرار بأن الحفلات ممنوعة، فإن على مصدر القرار أن ينزل من علياء مكتبه والتجوال في شوارع "باب توما" مثلاً، أو أي منطقة فيها "ملاهي ليلية"، ليسمع الأصوات التي تصدح في الشوارع وتسبب الإزعاج الحقيقي للسكان المجاورين لها، وهل الحدائق العامة هي المكان الوحيد الذي يمكن أن يتسبب بانهيار "التباعد الاجتماعي"، الذي يقي من انتشار جائحة "كورونا"، أم أن الكتل الاسمنتية ستواصل الزحف لتأكل مكاناً حيوياً مثل "حديقة تشرين"، التي بات فيها مكن مخصص لـ "أبناء الطبقة المخملية"، الذين قد لا يرضون بوجود مكان قريب منهم يتنفس فيه الفقراء بالمجان.

إن الإجراءات الحكومية التي تتخذ من قبل "بعض"، أصحاب القرار ترفع الشحوم الثلاثية في دم أصحاب الدخل المحدود والبسطاء من الشعب، وهم الطبقة التي تحملت الحرب بكل أشكالها، في حين أن هذه القرارات في الوقت نفسه تعد من أسباب تمسك أثرياء الحرب ومحدثي النعمة بهذه البلاد، فهم الأكثر استفادة والأكثر تنعماً بما أفرزته الحرب من فوارق طبقية التي تعززها القرارات.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: