Saturday November 23, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

هل يستطيع السوريون فرملة العنف؟

هل يستطيع السوريون فرملة العنف؟

حبيب شحادة

لم يتورع السوريون طوال ثماني سنوات من الصراع عن مُمارسة العُنف بكافة أشكاله، وبِصورٍ تحفرُ بالذاكرةِ الجمعيةِ مشاهد فظيعة وبشعة. لدرجة أنّ مَشهد قتل شخص بالرصاص دون أي سبب يُذكر، أصبح مشهداً عادياً مقارنةً بما استُخدم من أساليب أقل ما يقال عنها وحشية.   

لذا لا بد أن نتساءل، هل هذا العنف وليد الأزمة الراهنة، أم أنه نِتاج عوامل مُجتمعية مُتراكمة في بنية المجتمع؟

 يُعرّف العُنف، بأنّه الاستخدام غير المشروع للقوة المادية بأساليب متعددة، لإلحاق الأذى بالأشخاص والإضرار بالممتلكات، كما يتضمن معاني الاغتصاب والعقاب والتدخل في حريات الاخرين. 

وكل مُفردات هذا التعريف حدثت وما تزال تحدث في سوريا، من مُنطلق أنّ العُنف ليس بالمشهد الغريب عن الشارع السوري، فقد عايش السوريون العنف عَبر مراحل تاريخية مُختلفة منذ الاستقلال حتى ثمانينيات القرن المنصرم في الحوادث التي عُرفت بأحداث حماة (العنف الأخواني) مروراً بالأزمة الراهنة، والتي استُخدم فيها أساليب مُستحدثة للعنف الوحشي.

وعند فشل السوريون على مستوى بُنية الدولة والمؤسسات مروراً بالفشل على المستوى الشعبي بالوصول إلى قواسم مشتركة حول الحوار والتوافق، تحول الصراع الفكري بين النخب والقيادات إلى صراع عنفي بين مختلف مُكونات الشعب على كامل الجغرافيا السورية، وأنتج كارثة عنفية حقيقية. ومرد ذلك إلى الاختناق الذي كانت تعيشه سوريا طِيلة سنوات من تاريخها السياسي.

كما أنّ ثقافة العنف تنتشر وتنمو بشكل مُطرد خلال فترة الأزمات والحروب التي تشكل تُربة خصبة لتغيير منظومة القيم، وهذا ما حدث في سوريا التي تضم بيئات اجتماعية وثقافية وإثنية مُتعددة. 

فأحداث العُنف التي وقعت في الشارع السوري كانت ذات تأثير كبير في بُنية المجتمع وتحديداً في نطاق الشرائح السفلى من الطبقة الوسطى.

فلا يُمكن للشارع السوري أن ينسى العديد من الأحداث العنيفة التي حدثت في عدة مناطق متمثلةً بالخطف والاغتصاب وبيع الأعضاء والتعفيش والتشبيح والتشليح وكأن منظومة القيم والأخلاق قد تغيرت من خلال التبرير لتلك الأفعال والدفاع عنها وكأنها أصبحت منظومة حياة للسوريين بشكل عام. 

وهنا نذكر حوادث فارقة ضج بها الشارع السوري ومواقع التواصل الاجتماعي من خطف بعض النساء لفتيات بحيل مختلفة إما بقصد السرقة أو تجارة الأعضاء، ومسرح هذه العمليات بين البرامكة والجامعة ومنطقة المزة، وفقاً لتحذيرات أطلقتها فتيات على السوشال ميديا، وبعض الغروبات النسائية على الفيسبوك. ناهيك عن عمليات الخطف في السويداء وما يرافقها من تداعيات عدة، لنصل إلى التشبيح والتشليح في اللاذقية التي أصبحت وكأنها تكساس سوريا.

لتأتي اليوم أزمات عدة منها أزمة المازوت والغاز والتي شكلت حالة عنفية تتجلى في كيفية الوصول والحصول على المادة من خلال الانتظار لساعات طويلة أمام صهاريج المازوت وسيارات الغاز دون القدرة على تلبية هذه الاحتياجات الملحة للمواطن.

بالنتيجة تصاعد العنف كمتوالية هندسية نتيجة انتشاره من منطقة لأخرى حتى أصبح حالة عامة وهي (الحالة السائدة)، والُمتسمة ليس فقط بالقتل الوحشي. والتدمير الممنهج لبنية المجتمع، وإنما حتى بالإلغاء والاقصاء للرأي المخالف الذي يمكن لصاحبه أن يدفع حياته مقابل الكلمة فقط، ما أدخلنا في دوامة العُنف اللاعقلاني، المُفتقد لأية أهداف موضوعية يثور ضدها، والناتج من سياقات اجتماعية تعود لسنوات من الفشل في إنتاج بنية مجتمعية تقوم على العقل وليس النقل.   

ومن هنا تحول الصراع السوري إلى صراع عبثي، ولا شك في أنّ الوصول إلى مخرج ينقذ المجتمع السوري من دوامةٍ يعيش داخلها، يحتاج إلى فرملة عجلات إنتاج العنف عبر العمل على بناء بنى اجتماعية فاعلة وقادرة على ممارسة دورها بالمجتمع انطلاقاً من محاولة نقل الصراع من القوة إلى القوانين.

المصدر: خاص

بواسطة :

شارك المقال: