هل قررت دمشق نقل المعركة إلى العمق الصهيوني؟
فارس الجيرودي
فجأة ودون سابق اشتباكٍ أو إنذار سقط صاروخان من غزة على مطار "بن غوريون" في تل أبيب مساء الخميس الماضي، لكن قصف تل أبيب هكذا «دون مبررٍ من سابق تصعيد»، لم يكن هو وحده المفاجئ والاستثائي في العملية، بل إن إنكار كلٍ من حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" مسؤوليتهما عنها، وتبني تنظيم جديد على الساحة باسم "حركة المقاومة العربية لتحرير فلسطين" لها، لا يقل أهميةً عن استهداف تل أبيب بما تمثله من ثقل بشري واقتصادي بالنسبة للكيان الصهيوني.
فخلال العقود الثلاثة الماضية اضمحلت مكانة التنظيمات المقاومة ذات التوجه القومي العربي على الساحة الفسطينية، لصالح تنامي حركات المقاومة الإسلامية الطابع، وبما أن سوريا هي الدولة العربية الوحيدة التي لا زالت تتبنى العروبة شعاراً وأيديولوجيا، ومع احتفاء صفحة "الفيس بوك" الخاصة بـ"الحرس القومي العربي" من دمشق بالعملية، فقد رأى كثيرٌ من المراقبين أن سوريا تعلن من خلال "الحرس القومي العربي" و"حركة المقاومة العربية لتحرير فلسطين" عن عودتها إلى الساحة الفلسطينية، بعد سنوات الربيع الصعبة التي شغلتها عما اعتادت تحمل مسؤوليته من مهام «قومية» تتهرب منها بقية الأنظمة العربية.
كما قدّر محللون أن يكون قصف مطار "بن غوريون" قرب تل أبيب أحد أشكال الردود على إعلان نتنياهو نيته الاستمرار في سلسلة العمليات الجوية التي تستهدف العمق السوري، بحجة محاربة وجود إيران وحزب الله على الأرض السورية، تلك العلميات التي لطالما ركزت على قصف مطار "دمشق الدولي"، علماً أن سجل سوريا الحافل في الاعتماد على تسليح ودعم حركات «المقاومة شعبية الطابع» لموازنة التفوق التكنولوجي الإسرائيلي، يجعل من هذا الاحتمال متسقاً مع الأسلوب السوري في الرد على العدوانية الإسرائيلية.
لم يمر يومان بعد قصف تل أبيب حتى اقتحم شاب بسكين مستوطنةً قرب بلدة سلفيت بالضفة الغربية، فانتزع بندقية جندي إسرائيلي بعد قتله، ومن ثم استخدمها في إطلاق النار على مجموعة مستوطنين صهاينة قرب حافلة، موقعاً قتلى في صفوفهم، لتتبنى "حركة المقاومة العربية" نفسها العملية الجديدة.
وسواءٌ صحت التحليلات التي تتحدث عن رعاية دمشق لحركة مقاومة فلسطينية ذات طابعٍ قومي عربي، أو لم تصح، فإن الثابت أن عملية قصف تل أبيب تشكل تحولاً نوعياً في سياق الصراع مع إسرائيل، فالعملية تثبت عدة تحولات استراتيجية في المواجهة بين محور المقاومة والعدو.
فإذا كان تنظيم صغير ناشئ كحركة المقاومة العربية، قادراً على إطلاق صاروخين على قلب إسرائيل الاقتصادي والسكاني، دون أن تنجح في اعتراضها "القبة الحديدية" الإسرائيلية التي تكلف تطويرها مليارات من الدولارات، فإن معنى ذلك أن العمق الصهيوني بات استراتيجياً في متناول دول وحركات المقاومة، التي تمتلك حكماً صواريخ من نوعيات أكثر تطوراً، كما تمتلك إمكانية استهداف إسرائيل بوابلٍ من الرشقات الصاروخية، تجعل مهمة الأنظمة الإسرائيلية الدفاعية في اعتراضها أصعب من مهمة اعتراض الصاروخين التي أخفقت فيها، بالتالي ما عاد للصهاينة عمقٌ آمنٌ يلجأون إليه خلال المواجهة العسكرية القادمة، وهذا تحول استراتيجي ليس له سابق لا في حرب 1973، ولا في حرب تموز 2006 التي تم إجلاء مليون ونصف المليون صهيوني خلالها من شمال فلسطين المحتلة إلى تل أبيب.
كما أن العملية ترفع من سقف الردود التي يمكن لحركات المقاومة الأكبر في غزة «القسام» و «سرايا القدس» أن تفكر فيها، في مواجهة أي عملية إسرائيلية عدوانية ضد القطاع في المستقبل، فهذه الحركات باتت مطالبةً أمام جمهورها بما يتجاوز مجرد قصف المستوطنات في غلاف غزة، لأن "حركة المقاومة العربية" أثبتت بإمكانياتها المتواضعة كحركةٍ ناشئة، القدرة على استهداف حصن إسرائيل الحصين، فكيف بمن حصل طوال السنوات الماضية على إمكانيات أضخم؟.
من جهة أخرى توقع كثير ممن لم يدركوا بعد ما أصاب إسرائيل خلال السنوات الأخيرة من تراجع في قدرتها على تحمل الخسائر وشن الحروب، أن تشكل العملية ذريعةً مناسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، كي يرفع من حظوظ حزبه خلال الانتخابات الإسرائيلية القادمة، من خلال عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة، وقد عزز من هذه التوقعات مزاودات الكثير من المسؤولين الإسرائيليين السابقين، والمحللين الصهاينة، الذين دعوا إلى الرد على قصف تل أبيب، بحملة اغتيالات جوية تستهدف قادة حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، ولكن اجتماع "الكابينيت" الإسرائيلي، بين نتنياهو وكبار الوزراء والقادة الأمنيين الصهاينة، انتهى إلى مجرد إقرار ردٍ هزيلٍ ومدروس، لا يجر إلى مواجهة أوسع، ذلك بعد أن برأت مصادر أمنية إسرائيلية حركة "حماس" من المسؤولية عن العملية، ليشكل ما حدث دليلاً جديداً دامغاً على تهاوي قدرة الردع الإسرائيلية.
المصدر: خاص
شارك المقال: