حكومة.. «عَ الله»
منذ أن تأسست الجمهورية العربية السورية، لم تفكر أي من الحكومات المتعاقبة باحتمالية حدوث كوراث طبيعية في البلاد التي تمتلك ثروات هائلة تعد بمثابة قنبلة موقوتة إذا لم يكن ثمة وعي حكومي بمخاطرها المحتملة في حال حدوث ما لا تحمد عقباه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، يوجد في سوريا المئات من آبار النفط، إضافة لمصافتين عاملتين بكثافة، وموانئ تعمل على تحميل وتفريغ "بوارج نقل النفط"، دون أن يكون ثمة خطة واضحة لمنع أو معالجة حدوث الحرائق المهولة أو التسربات النفطية التي يمكن أن تحدث، وهذا ما تعاني منه "بحيرة السد" الجنوبي بمدينة "الحسكة" بسبب ممارسات ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تسببت بحدوث تسربات نفطية أدت إلى ارتفاع نسبة الشوائب الثقيلة في مياه البحيرة، ما منع استخدامها كمصدر بديل عن محطة "آبار علوك"، لمياه الشرب حين تجنح القوات التركية إلى تعطيل العمل في المحطة.
وما يحدث في غابات "ريف حماة" و"اللاذقية"من حرائق سنوية خلال الفترة التي تسبق موسم الشتاء ليس من باب الصدفة، فالصدف لا تتكرر في ذات الوقت من كل عام وبذات الشكل، وإنّ كانت هذه السنة قد أمتدت هذه الحرائق إلى وسائل الإعلام لتجد لنفسها مساحة في التغطيات الإخبارية نتيجة لهدوء الميدان السوري، فإنها كانت أشد قسوة من سابقاتها، وليس من المصادفة ألا يكون ثمة خطة لمواجهة مثل هذه الحرائق لدى السادة المسؤولين، فالرائج لدى السوريين عموماً، والحكومة تحديداً إن كل المخاوف والاحتمالات الكبيرة لوقوع الكوارث تواجه بجملة "عَ الله"، الشهيرة، ولولا هذه الجملة التي يتواكل من خلالها المسؤول على القدرة الإلهية لمنع وقوع الكوارث، لوجدته قد عمل على أساس القاعدة التي تقول "إعقل وتوكل"، واتجه حينها نحو شق طرقات في المناطق الجبلية الحراجية بما لا يترك منطقة "من الصعب الوصول إليها"، من قبل سيارات الإطفاء، ولأوجدت الحكومات السابقة للحرب الإسطول الكافي من الطائرات الزراعية أو المروحية التي قد تتدخل في حال نشوب حرائق في الغابات أو المساحات الزراعية أو حقول النفط، وعلى أقل تقدير كان سيوجد آلية لمراقبة الحراج وحمايتها من العبث وجشع تجار الحطب الذين لم يكتفوا بعد من أزمات البلاد.
وفي هذه البلاد قد لا تجد أي مسؤول لديه الوقت الكافي للتفكير بوضع خطة بديلة أو مواجهة للأزمات في حال حدثت، وذلك على الرغم من إن الأزمات تتكرر بالشكل ذاته، فالطوابير الطويلة على أبواب الأفران أو محطات تعبئة الوقود مشهد حاضر في الشوارع السورية منذ بداية الأزمة تقريباً، وفي كل مرة التبريرات ذاتها تأتي بعد نفي لوجود الأزمة أولاً على مبدأ "الإنكار"، الذي يحاول من خلاله المسؤولين دوماً الاختباء وراء أصابعهم على الرغم من التوجيهات على ضرورة مصارحة المواطن عبر وسائل الإعلام بالواقع والحقيقة والملعومات الدقيقة كيلا يترك المسؤولين "مواقع التواصل الاجتماعي"، مساحة لبث الشائعات.
وبذكر الإعلام، فمن الطريف أن تتبارى وسائل الإعلام الخاصة العاملة في سوريا في تأكيد أو نفي خبر نزوح بعض السكان في بعض القرى التي وصلت النيران لأطرافها، والأمر إن كان طبيعياً جداً أن يخاف المرء على أطفاله فيغادر منزله القريب من النيران، فإن صحيفة خاصة نشرت نفياً للخبر وكأنه من المعيب أن يقال أن ثمة سورياً خاف من أن يحترف أبنائه وهرب بهم كيلا يكونوا حطباً لها، في حين أن تصريحات من وزير الزراعة كانت قد أكد فيها أن الأولوية كانت لحماية السكان وللآن لم تسجل أي إصابة، فهل تحولت الحرائق إلى مساحة جديدة للتنافس بين الصحفيين على "السكوب"، وساحة لـ "صراع المصادر"، بين نشاطي وصحفيي مواقع التواصل الاجتماعي بحثاً عن الـ "like"، وهذا ما يجدد البحث عن "صحفيين"، حقيقيين في هذه البلاد.
إن الحلول لأي كارثة قد تحدث مستقبلاً، تبدأ من إيمان المسؤولين في هذه البلاد، أن الكوارث أمر طبيعي ومحتمل الحدوث أياً كانت مسبباتها، وأنّ التحسب لها ليس بالأمر المخجل أو المعيب ولن يكلف ميزانية الدولة أكثر مما قد تتسبب به الكارثة إن وقعت، وإذا ما أخذنا الحرائق التي تشهدها مناطق من ريف حماة واللاذقية، والحرائق السنوية التي تحدث في حقول القمح في مختلف المحافظات السورية في موسم الحصاد على سبيل المثال، سنتكشف أن قيمة الخسائر أضعاف ما كانت الحكومة ستنفقه للتحسب من وقوع مثل هذه الكوراث، فالمثل البسيط الذي يعرفه أطفال سورية قبل كبارها، يقول "درهم وقاية خير من قنطار علاج".
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: