حادثة القطار تنكأ جروح فقراء مصر
فارس الجيرودي
«الغلابة دول أغلبهم متعاطفين مع الإخوان، بلاش شعارات يسارية فارغة، اللي ماتوا ماتوا بتخطيط سواق من منطقة كرداسة، من الغلابة اللي بتقولي عليهم، الأغنياء الوطنيين الشرفاء أكثر شرفاً من الفقراء الذين يكرهون الوطن ويتعاونون مع الإرهاب، ومهما دعمناهم بالمال لن نقوم انحرافهم السلوكي».
العبارة السابقة جزء من تعليقات كتبتها الأديبة المصرية "دينا أنور" على موقع "الفيس بوك"، رداً على صديقتها التي دعتها لدعم ضحايا حادث قطار محطة مصر، ولا يعتبر هذا الرأي الأول من نوعه الذي يصدر عن النخبة المثقفة والإعلامية المؤيدة لنظام السيسي، فقد سبق أن خرجت تصريحات شبيهة لها على لسان العديد من الإعلاميين والفنانين المصريين، بل إن الرئيس المصري نفسه اعتبر في حديث مسرب له، أن الخطأ الأكبر الذي ارتكب في تاريخ مصر الحديث، كان التراجع عن إلغاء الدعم للسلع الأساسية التي يحتاجها الفقراء، إثر مظاهرات 1977 التي هددت بإسقاط الرئيس أنور السادات، و أجبرته على التراجع عن قراره.
بالنسبة لنظام السيسي طريق التنمية والنهوض الاقتصادي يمر من الالتزام بوصفة صندوق النقد الدولي الذي يحث حكومات دول العالم الثالث على تحرير أسعار السلع، وتركها لآليات السوق الرأسمالية التي لا ترحم، وأيضاً عبر تحرير سعر صرف العملة المحلية، وهي الخطوة التي تخصم دورياً من قيمة صرف العملة الوطنية، مما ينتج عنه استنزاف مدخرات الناس، وانخفاض القيمة الشرائية لأجورهم، وذلك كله مقابل حصول الدولة التي تلتزم بتعليمات صندوق النقد الدولي تلك على القروض، التي غالباً ما يتم توجيهها لتمويل مشاريع خدمية غير انتاجية، تستفيد منها الأقلية الأكثر ثراءاً.
عملياً يشكل الفقراء الأغلبية الساحقة من المصريين، بالإضافة إلى جزء صغير يسمى بالطبقة المتوسطة، وهي تسمية لا تبدو دقيقة تماماً، فالأدق أنها طبقة فقراء من الدرجة الثانية، بالإضافة إلى أقلية غنية لا تتعدى نسبة الـ 5%، لكن هذه الأقلية تمتلك تقريبًا 90% من الثروة، فيما يتقاسم الـ 10% المتبقية فقراء الدرجتان الأولى والثانية.
بدأ نظام السيسي عهده برفع التعرفة الجمركية على أغلب السلع بنسبة 40%، وكان الفقراء هم الضحية، كما خفض دعم الطاقة بنسبة وصلت لنحو 60%، وارتفع سعر الأرز بنسبة 100% خلال أسابيع قليلة، حيث كان الفقراء هم الضحية أيضاً.
كما تم رفع أسعار الأدوية التي تقل عن 30 جنيهًا بنسبة 20% - وهي أدوية الفقراء .
وبينما يكرر السيسي دعواته المتكررة للمصريين للتقشف وشد الأحزمة من أجل «بناء البلد»، يواصل الإنفاق بلا حساب، على مشاريعه التي ثبت أن الغرض الأساسي منها هو «الاستعراض»، حيث كلف مشروع قناة السويس الجديدة، نحو 8 مليارات دولار، بسبب الحاجة لسرعة تنفيذه، بينما كان يمكن ضغط النفقات لو عهد المشروع لشركات وطنية، علماً بأن حالة الركود الاقتصادي العالمي، خفضت من مداخيل قناة السويس الأساسية، فضلاً عن الفرعية.
كما احتفلت وسائل الإعلام المصرية بمشروع "العاصمة الإدارية الجديدة"، وببناء أكبر مسجد وأكبر كنيسة فيها، حيث تم تقديم المشروع للرأي العام ، على أنه «أكبر المدن الذكية في العالم»، ليتضح لاحقاً أنه ليس أكثر من حي سكني راقي، يشبه الكامبوندات المسوّرة المنتشرة في محيط القاهرة، والتي يسكنها الأغنياء، وتمنع شركات الأمن الخاصة الفقراء من مجرد دخولها.
وبينما ثبت من خلال التجربة السورية أن الفقراء هم خط الدفاع الأساسي الذي حمى الدولة من خطر الانهيار، أمام موجات الاستهداف من الجماعات المسلحة المتطرفة، استذكر المصريون بأسى إثر حادثة انفجار القطار أمس، حديث السيسي التلفزيوني عام 2017 والذي رفض فيه انفاق 10 مليار جنيه على تطويرالسكك الحديدية المصرية، التي تعد وسيلة النقل الرئيسية بين المحافظات المصرية، ويستخدمها 300 مليون راكب سنوياً، بذريعة أن مبلغ10 مليار جنيه، ممكن أن يجلب للدولة فوائد مليار دولار سنوياً، لو أودع في البنك، وقارنوا ذلك بالإعلان عن تزويد العاصمة الإدارية الجديدة بقطار فائق الحداثة بتكلفة 20 مليار جنيه.
المصدر: خاص
شارك المقال: