فيلم فرنسي طويل بسترة صفراء
آلان كرد
شاهدتم خلال شهر حتى الآن، فصول مباراة «كرة قنابل الغاز» بين فريقين، أو مشاهد من فيلم طويل تتواصل لقطاته في الشانزيليزيه منذ 17 تشرين الثاني الماضي، وأعتقد أن الملايين حول العالم سمعوا أو شاهدوا أخباراً عن الاحتجاجات الفرنسية التي تسمى «حركة السترات الصفراء».
الأزمة الشاملة
بعيداً عن الموقف اليومي السطحي مما يحدث في فرنسا، تعبر «السترات الصفراء» عن الأزمة العميقة للاتحاد الأوروبي الأخذ بالتفكك والتخبط. ومن أبرز مظاهر هذه الأزمة: حركات الاستقلال الإسكوتلندية والكاتالونية والبريطانية، والمطالب الإيطالية واليونانية والفرنسية بالخروج من الاتحاد. إضافة إلى المديونية والأزمات الاقتصادية والمصرفية وانعدام الأمن الاجتماعي.
تخبرنا وكالات الأنباء العالمية عن امتداد «السترات الصفراء» إلى بلجيكا وهولندا وألمانيا وكرواتيا وإيطاليا وبلغاريا حتى الآن، وربما تمتد الحركة إلى بلدان أخرى. نستنتج من ذلك أن حركات الاحتجاج إحدى مظاهر الأزمة الأوروبية المتفاقمة، خاصة وأن «السترات الصفراء» مترافقة مع احتجاجات المناخ في بولونيا والاحتجاجات الإيطالية ضد القواعد الأمريكية وحركات الطلاب والموظفين في بلدان أخرى. وكل ذلك يعطينا صورة ما عن تداعي البيت الأوروبي.
230 عام من التقاليد الفرنسية
إذا تصفحنا التاريخ الفرنسي قليلاً، سنكتشف أن الفرنسيين يملكون تقاليد احتجاجية قديمة عمرها 230 عام على أقل تقدير. وشهدت فرنسا بعض الحوادث التي غيرت من مصير البشرية مثل:
1- الثورة الفرنسية 1789 التي بشرت بأفكار الثورة الصناعية الرأسمالية والجمهورية الليبرالية وتطور العلوم والفكر الفلسفي ونهاية الملكيات الاقطاعية.
2- ثورة 1830 التي تحدث عنها الكاتب الكبير فيكتور هيغو في رواية «البؤساء».
3- ثورات 1848.
4- كومونة باريس وكومونة الجزائر 1870 التي عرفت البشرية إلى أول جمهورية عمالية في التاريخ.
كما شهد التاريخ الفرنسي أحداثاً شبيهة بالسترات الصفراء، ومنها أحداث 1968، حركة العرب والأفارقة 2005، احتجاجات قانون عقد الوظيفة الأولى 2006، احتجاجات قانون العمل 2016، والقائمة تطول.
مانيفيستو السترات الصفراء
بعيداً عن التأويل واجتزاء الكلام، ماذا تريد السترات الصفراء فعلاً؟ فلنقرأ البيان الصادر عن الحركة، والذي احتوى جملة من مطالبهم. في الاقتصاد: سقف دستوري على الضرائب بنسبة 25%. زيادة المعاش الأساسي والرعاية الاجتماعية بنسبة 40%. زيادة التوظيف وتأسيس الخدمات العامة. مشاريع بناء ضخمة لإيواء 5 ملايين مشرد. عقوبات صارمة على رؤساء البلديات. تفكيك البنوك الكبيرة لأنها فاشلة. فصل الخدمات المصرفية العادية عن الاستثمارية. إلغاء الديون المتراكمة.
في السياسة: تعديلات دستورية لحماية مصالح الناس. منع جماعات الضغط والمصالح الخاصة من صنع القرار السياسي. الخروج من الاتحاد الأوروبي لاستعادة السيادة الاقتصادية. مكافحة التهرب الضريبي. منع خصخصة المرافق العامة. إنهاء تقنيات وإيديولوجيات التعليم المدمرة. وضع حدود للإجراءات القضائية وجعل الوصول إلى نظام العدالة متاحاً للجميع. جعل وسائل الإعلام في متناول المواطنين وضمان تعددية الآراء. منع تدخل الدولة في القرارات العائلية.
في الصحة والبيئة: حظر الزجاجات البلاستيكية والتعبئة الملوثة. إضعاف تأثير شركات الأدوية الكبرى على الصحة والمستشفيات. حظر المحاصيل المعدلة وراثيًا والمبيدات المسببة للسرطان. في الشؤون الخارجية: إنهاء مشاركة فرنسا في حروب عدوانية والخروج من الناتو. وقف النهب والتدخل العسكري في إفريقيا. إعادة جميع الجنود إلى فرنسا. المساواة في التعامل مع إفريقيا. منع الهجرة التي لا يمكن استيعابها. احترام القانون الدولي.
كلمة أخيرة
يبدو أن مشاهد الفيلم الفرنسي طويلة، ويستطيع الفرنسيون مشاهدته على شاشات التلفاز، وفي الشوارع على حدا سواء. أما لقطة الفيلم الأخيرة، فهي متروكة للزمن القادم.
المصدر: خاص
بواسطة :
شارك المقال: