Monday May 6, 2024     
00
:
00
:
00
  • Street journal

دماء في البازار السياسي

دماء في البازار السياسي

فارس الجيرودي

على نحو يشبه كثيراً ما آل إليه التحقيق في جريمة اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق "رفيق الحريري"، تحولت دماء الصحفي السعودي "جمال الخاشقجي" إلى مادة خصبة للصراع السياسي ليس فقط بين محوري حلفاء واشنطن في المنطقة، بل أيضاً بين طرفي  الصراع داخل مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة نفسها، حيث تستخدم مراكز القوى المعارضة لسياسات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" الفضيحة مجدداً، كأداة فعالة للضغط على الرئيس وإحراجه.

فبعد انتهاء المدة التي منحها الكونغرس لتحديد ما إذا كان ولي العهد متورطاً في مقتل خاشقجي (120 يوماً بدءاً من تشرين الأول)، تجددت الحملات الإعلامية التي تشنها الصحف والقنوات التلفزيونية الأمريكية، على ولي العهد السعودي الذي يستخدم كمنصة لإطلاق النار على الرئيس ترامب، المتهم  بالمسؤولية عن التخاذل في اتخاذ موقف حاسم من المملكة السعودية فيما يخص الجريمة.

  إذ يعتبر"كوشنير" صهر ترامب العراب السياسي لـ"محمد بن سلمان"، فهو من حسم قضية وصوله لمنصب ولي العهد، على الضد من إرادة "السي آي ايه" التي كانت تدعم ابن عمه "محمد بن نايف".

ويبدو أن الصراع الدائر بين وكلاء الولايات المتحدة في منطقتنا، محور تركيا-قطر في مواجهة محور السعودية-الإمارات-مصر، ليس سوى فرع ونتيجة لصراع أكبر بين الأسياد داخل مراكز صنع القرار في العاصمة الأمريكية.

لكن عكس ما واجهه أسلافه في البيت الأبيض لا تقتصر قائمة أعداء ترامب على الحزب الديمقراطي المنافس، بل تواجه سياسات الرجل بمعارضة شرسة من الطبقة السياسية الأمريكية بشقيها الجمهوري والديمقراطي.

ففي سياق سياسة تشديد الخناق على ترامب، تقدم مشرّعون جمهوريون وديمقراطيون بمشروع قانون يفرض عقوبات على المسؤولين عن اغتيال الصحافي السعودي، ويمنع بعض مبيعات الأسلحة للرياض، وتوقّع أحد طارحي المشروع، السيناتور الجمهوري المقرّب من ترامب "ليندزي غراهام" «دعماً قوياً من الحزبين لعقوبات صارمة»، معتبراً في بيان أنه «على الرغم من أن السعودية حليف استراتيجي، فإن سلوك ولي العهد يعكس عدم احترام للعلاقة، ويجعله شديد الضرر»، منتقداً في الوقت ذاته موقف إدارة ترامب المتهاونة من وجهة نظره مع الحليف السعودي.

لكن رد فعل البيت الأبيض لا يزال صلباً في مواجهة الخصوم، بل إن مسؤولاً من داخل إدارة ترامب سرب لقناة "سي إن إن" أن الرئيس لا يهتم للمهلة التي منحت له قبل أشهر موضحاً أن «ترامب يحتفظ بحقه في رفض الالتزام بطلبات لجان الكونغرس عندما يرى ذلك مناسباً».

فعكس ما توحي به تغطية وسائل الإعلام الغربية للصراع في واشنطن، لا يقف ترامب وحيداً في مواجهة أجهزة الدولة العميقة، وفي وجه حملات النخب السياسية والإعلامية الأمريكية ضد سياساته، بل يمثل الرجل طيفاً واسعاً من شبكة المصالح المعقدة في المجتمع الأمريكي، هو يمثل بالتحديد رجال الأعمال العاملين في قطاعات العقارات وصناعة السيارات والالكترونيات والسياحة والفنادق، كما يمثل الطبقة الوسطى والدنيا من العمال البيض، وجميع هؤلاء تضرر من سياسات العولمة الاقتصادية والعسكرية التي انتهجتها سلسلة الإدارات المتعاقبة على البيت الأبيض، والتي صبت في خانة خدمة مصالح لوبيات شركات صنع السلاح والنفط، كما أن ترامب يتسلح بمنطق فشل المشاريع العسكرية الأمريكية خلال العقود الماضية، والتي أنتجت فشلاً اقتصادياً، خصم من رصيد الرفاهية الذي كان المواطن الأمريكي العادي يتمتع به.

لذلك و بناء على ما سبق لا يبدو الصراع داخل مراكز صنع القرار في واشنطن، مؤقتاً أو قابلاً للحل قريباً بل يبدو مؤسساً لمرحلة قادمة من التاريخين الأمريكي والعالمي.   

 

المصدر: خاص

شارك المقال: